يا عبرة الدهر جاوزت المدى فينا – جبران خليل جبران
يا عبرة الدهر جاوزت المدى فينا … حتى ليأنف أن ننعاه ماضينا
فالسهل قد دفنت فيه معاقلنا … والبحر قد فقدت فيه جوارينا
وانثل من عزنا ما عز مطلبه … واندك من مجدنا ما شاد بانينا
وعد ذنبا علينا ما يشرفنا … وعد رفع لنا ما بات يدنينا
فاز القوي علينا في تضاؤلنا … والحق أعلى ولكن ليس يغنينا
لا فخر أن يغلب الأقوى مناضلة … بل أن يدين ضعيف مثلما دينا
يا دهر إن كنت لم تمهل شبيبتنا … حتى ادلت انحطاطا من معالينا
فأنت خير مرب للأولى جهلوا … كجهلنا ان ترك الحزم يشفينا
فزد مصائبنا حتى تنبهنا … تكن حياة لنا من حيث ترينا
فلم تجئهم علاهم من شوامخهم … ولم يجيء خفضنا من خفض وادينا
كانت عمالتنا الدنيا باجمعها … والقول والفعل في الأقطار ماشينا
إذا التي أرضعتها ذئبة فإدت … روما تصدت تبارينا فتبرينا
حتى رمتنا بداهي الظفر طاغية … فتى دهاء وبأس جاء يفنينا
في فتية من بني الرومان قد ألفوا … نار الوغى فحكوا فيها الشياطينا
أردوا عساكرنا أخلو دساكرنا … هدوا منارنا طاغين باغينا
ولم يكن جندنا إلا قساورة … أبلوا بلاء الصناديد الأشدينا
لكن صرفا من المقدور غالبهم … فما نجا منهم غير الأقلينا
ما بالنا بعد أن دكت مدينتنا … وامتد حكم العادي في نواحينا
صرنا حيارى سكارى من تخاذلنا … وأسعفتهم يدانا في تلاشينا
وأصبحت دارنا والكون تابعها … مثوى لهم ومواليهم موالينا
تالله ما غلبونا حيث باسلنا … قضى قتيلا ونالوا من نواصينا
لكنهم غلبونا حين ملكهم … أزمة الأمر شادينا وراضينا
فما هم بأعادينا … خلائقنا هي التي أصبحت أعدى أعادينا
أليوم روما هي الدنيا وصولتها … تنافس الأرض توطيدا وتمكينا
وما أثنية إلا معقل خرب … نجيل أصفادنا فيه مذالينا