يا صورة شبهت صخرا بإنسان – جبران خليل جبران
يا صورة شبهت صخرا بإنسان … في روعة ملأت قلبي وإنساني
لا وجه أبهى ولا أزهى برونقه … من وجهك النضر في منحوت صوان
من المليك الذي تثني جلالته … عنه ويمضي فما يثنيه من ثان
هذا فتى النيل ذو التاجين من قدم … هذا فتى مصر راعمسيس الثاني
سيزستريس الذي دان العتاة له … من قوم حث ومن فرس ويونان
إن قصر الجيش أغرى الرأي أمكنه … ما فاز خاتلها منها بإمكان
ممنون مردي العادي غير محتشم … بطشا ومسدي الأيادي غير منان
مستقبل الشمس عبر النهر ما طلعت … صبحا براس من الجلمود رنان
أناظر أنت لما هم كيف خطا … من الصفا غير معتاق ولا عان
هو المضاء تراءى فاستوى رجلا … هو الإباء رعى ضعفي فحياني
قاربت سدت العيا على وجل … ولم أخله يناجيني فناجاني
تراه عيناي مغضوضا لهيبته … طرفاهما وتراني منه عينان
ارابني أنني قبلا بصرت به … محنطا مدرجا في سود أفان
أكبر برمسيس ميتا لن يلم به … موت وأكبر به حيا إلى الان
تقوض الصرح فيما حوله ونجا … على التقادم لم يمسس بحدثان
لولا تماثيله الخرى محطمة … ما جال في ظن فان انه فان
في مصر كم عز فرعون فما خلدوا … خلوده بين أبصار وأذهان
ولم يتم لها في غير مداته … ما تم من فضل غثراء وعمران
ولم يسر ببنيها مثل سيرته … ساع الى النصر لا ساه ولا وان
من منتهى النيل في أيامه استعت … إلى أعاليه في نوب و سودان
ومن علي الذرى في الطور عن كثب … إلى قصي الربى في أرض كنعنان
في ارض كنعان إلا أن عسكره … أحس ما بأس شعب غير مذعان
أعاد كراته فيها وعاد على … اعقابه بعد إيقال وإمعان
فما يرى نقعه وهو الضباب علا … تلك الربى فدحاها دحو قيعان
حتى تهب به ريح فترجعه … عنها عثورا بأذيال واردان
وتبرز القمم الشماء ذاهبة … في الأوج تحسبها أجزاء أعنان
مغسولة بدماء الفجر طالعها … من أدمع القطر ذر فوق مرجان
سفوحها حرة والهام مطلقة … وكل عان بها بعد الأسى هاني
وموقع الذل ناء عن أعزتها … كموقع الظل عن هامات لبنان
لكنما الخلف في الجارين صار إلى … حلف وأدنى الى الصلح الأشدان
وإن خيرا حليفا من تروض به … صعبا وتوليه ودا بعد عدوان
تصافيا فصفا جو العلى لهما … وطوعا ما عصى مما يرومان
وطالما كان ذاك الإلف بينهما … على صروف الليالي خير معوان
في مبدإ الدهر والأقوام جاهلة … زها بمتبكرات العقل عصران
عصر بما ابتدع الفينيق واخترعوا … فيه له فضل سباق ومسحان
وعصر مصر الذي فاقت روائعه … آي الأجدينمن فخم ومزدان
مما توالت على الوادي به حقب … زينت حواشي الصفا منه بأفنان
حضارتان سما شأو النهى بهما … افادتا كل تثقيف وعرفان
وباتحادهما في الشأن من قدم … ما زال يرتبط الأسنى من الشان
يا مجد رمسيس كم أبقيت من عجب … فيه ومسألة عنه لحيران
أبغض به في العدى من هادم حنق … وحبذا هو للتاريخ من بان
عالى الصروح كما وغلى الفتوح بلا … رفق بقاص ولا عطف على دان
أكان منزله في المجد منزله … لو رق قلبا لشيب أو لشبان
أم كان ما أدركت مصر على يده … ذاك المقام الذي أزرى بكيوان
تخير الخطة المثلى له ولها … يعلو فتعلو به والخفض للشاني
ما زال بالقوم حتى صار بينهم … غله جند تحابيه وكهان
ورب سائمة بلهاء هائمة … تشقى وتهواه في سر وإعلان
يسومنها كل خسف وهي صابرة … لا صبر عقل ولكن صبر إيمان
ألا وقد بلغت في الخافقين به … مكانة لم تكن منها بحسبان
إن باب في حجب باءت إلى نصب … يلوخ منه لها معبوده الجاني
فبجلت تحت تاج الملك مدميها … وقبلت دمها في المرمر القاني
واليوم لو بعثت من قبرها لبدا … لها كما خبرته منذ أزمان
ما زال صخرا على العهد الذي عهدت … بلا فؤاد وإن داجي بجثمان
مسخرا قومه طرا لخدمته … وما بغى رب سوء محض إحسان
مخلد المجد دون القائمين به … من شوس حرب وصناع وأعوان
مخالسا ذمة العلياء مضطجعا … من مهد عصمتها في مضجع الزاني
بحيث آب وكل الفخر حصته … ولم يؤب غيره إلا بحرمان
كم راح جمع فدى فرد وكم بذلت … في مشترى سيد أرواح عبدان
لموقع الأمر فيهم كل تكرمة … ومنفذ الأمر فيهم كل نسيان
كلا وعزته فيما طغفى وبغى … وذل من قبل الضيزى بإذعان
هم الذين على عسر بمطلبه … قد أسعوفه بأموال وفتيان
وهم على سفه دانوا بمن نصبوا … فخولوه مدينا حق ديان
فيم الأولى صنعوا أنصابه درست … رسومهم منذ باتوا رهن أكفان
وما لأسمائهم دون اسمه دفنت … شعثا منكرة في رمس كتمان
إن يجهل الشعب فالحكم الخليق به … حق العزيزين من وال وسلطان
أو يرشد الشعب يمس الأمر في يده … ولا اعتداد بأملاك وأعيان
ليت البلاد التي اخلاقها رسبت … يعلو بأخلاقها تيار طغيان
النار أسوغ وردا في مجال على … من بارد العيش في أفياء فينان
أكرم بذي مطمع في جنب مطمهعه … ينجو الأذلاء من خسف وخسران
يهب فيهم كإعصار فينقلهم … من خفض عيش إلى هيجاء ميدان
بعض الطغاة إذا جلت إساءته … فقد يكون به نفع لوطان
في كل مفخرة تسمو الشعوب بها … تفنى جموع مفاداة لأحدان
كم في سنى الكوكب الوهاج مهلكة … في كل لمح لأضواء وألوان
لم ترق حقبة مصر كما رقيت … في عصره بين أمصار وبلدان
لما رمت كل تاني الشوط ممتنع … بسابقين الى الغايات شجعان
ألا ترى في بقايا الصرح كيف مضوا … بأوجه باديات البشر غران
هم الذين على عسر بمطلبه … قد أسعفوه باموال وفتيان
وهم على سفه دانوا بمنن نصبوا … فخولوه مدينا حق ديان
فيم الأولى صنعوا أنصابه درست … رسومهم منذ باتوا رهن أكفان
وما لأسمائهم دون اسمه دفنت … شعثا منكرة في رمس كتمان
إن يجهل الشعب فالحكم الخليق به … حق العزيزين من وال وسلطان
أو يرشد الشعب يمس الأمر في يده … ولا اعتداد بأملاك وأعيان
ليت البلاد التي اخلاقها رسبت … يعلو بأخلاقها تيار طغيان
النار أسوغ وردا في مجال على … من بارد العيش في افياء فينان
أكرم بذي مطمع في جنب مطمعه … ينجو الأذلاء من خسف وخسران
يهب فيهم كإعصار فينقلهم … من فخض عيش غلى هيجاء ميدان
بعض الطغاة إذا جلت إساءته … فقد يكون به ننفع لأوطان
في كل مفخرة تسمو الشعوب بها … تفنى جموع مفاداة لحدان
كم في سنى الكوكب الوهاج مهلكة … في كل لمح لأضواء وألوان
لم ترق حقبة مصر كما رقيت … في عصره بين أمصار وبلدان
لما رمت كل تاني الشوط ممتنع … بسابقين غلى الغايات شجعان
ألا ترى في باقيا الصرح كيف مضوا … باوجه باديات البشر غران
وكيف عادواو رمسيس مقدمهم … إلى الربوع بأوساق وغلمان
فبعد أن صال بين المالكين بهم … صار الكبير المعلى بين أوثان
بالمس يدنيه قربان لآلهة … واليوم يأتيه أرباب بقربان
إن يغد ربهم العلى فلا عجب … هل من نظام بلا شمس لأكوان
جهالة ولدت فيها قرائحهم … ضروب نحت وتصوير وبنيان
مما لو ساتطلع الراني نفائسه … لما انقضى عج المستطلع الراني
في كل منكشف كنز ومستتر … مظنة لخبايا ذات أثمان
آيات مقدرة جلت دقائقها … شأي بها كل قوم قوم هامان
تقادم العصر الخالي بها ولها … تم الجديدين من حذق وإتقان
لم يعتور مجدها مهدوم أروقة … ولم يذلك فنها مهدود أركان
وراض كل أبي هول بها حرد … دمى تهاويلها آيات إحسان
وزاد روعتها أنقاض آلهة … فيها حوان على أنقاض تيجان
سجود ما كان مسجودا له عظة … في نفس كل لبيب ذات أشجان
ورب رزء بآثار أشد أسى … منه ملما بأشخاص وأعيان
والتاج أشجى إذا ما نفض عن صنم … منه إذا ما هوى عن راس إنسان
بيت عتيق يرى فيه الكمال على … ما شابه الآن من أعراض نقصان
حججته وبه من طول مدته … وفضل جدته للطرف حسنان
ما زال والدهر يطويه وينشره … يزهى جلالا رواقاه المديدان
في النقش منه لهل الذكر قد كتبت … آيات ذكر بإحكام وتبيان
تنزلت صورا واستكملت سورا … في مصحف من دعامات وجدران
شاقت بفتنتها الأقوام فاقتبسوا … منها اصول حكومات وأديان
ومن حلاها استمدوا كل تحلية … بلا محاشاة إغريق و رومان
هذا هو المجد نفنى والبقاء له … على تعاقب أجيال وأزمان
تاريخ مصر و رمسيس فريدته … عقد من الدر منظوم بعقيان
ما مثله في طروس الفخر من قدم … طرس من الفخر أوعى كل عنوان