يا صاحبي في الرخا وفي الضيق – عبدالغني النابلسي
يا صاحبي في الرخا وفي الضيق … دم حافظا لي على المواثيق
هذي يدي قد مددتها لك خذ … عهدي سريعا بغير تعويق
وجود مثلي وجود تقدير … وليس هذا وجود تحقيق
وهكذا الحادثات أجمعها … من حين تغريبها لتشريق
إنني منه كل حين بريء … بل أنا العبد طالب للقبول
تصورت كلها لنا صورا … في الحس والعقل للتزاويق
وكل هذا له وليس لنا … شيء من الأمر حكم تحليق
وإذا قلت ذاك كان مرادي … صانع الشيء فاعل المفعول
حيث لا شيء جامد هو عندي … بل كبرق يلوح بين الطلول
أما وجود الإله خالقنا … فهو الحقيقي لأهل توفيق
والذي عنه ذلك الشيء يبدو … هو رب الفروع رب الأصول
وجود حق محقق أبدا … يعرف لكن بمحض تصديق
مثل قول الخليل وقت التجلي … إن هذا ربي بصدق المقول
عن دركه العقل عاجز وكذا … عن وصفه في مقام تفريق
وهو نجم بدا وبدر وشمس … ثم كان امتيازه بالأفول
نراه لكن برؤية حدثت … لنا غدا لا بوهم تحديق
أخذ الجاهلون أقوال مثلي … ثم قالوا بها على المجهول
نغيب عنا وعن سواه إذا … نحن رأيناه حال تشويق
لم يذوقوا منها الذي نحن ذقنا … لا ولم يعرفوا حقيق النزول
محبة منه والمحب بها … يكاد منها يغص بالريق
هذا اعتقاد الهداة سادتنا … لا عقد غاو غوى وزنديق
إنما قلدوا بحفظ كلام … وادّعاء له بغير حصول
وقصاراهم التخيل فهما … وهو فيهم من غاية المأمول
كم أعرض السامري عنه وكم … أباه في الدين كل بطريق
هم عوام لا يعملون وهذا … هو سرّ أعيا جميع الفحول
تعلقوا كلهم بما عبدوا … من خلقه فيه أي تعليق
حاولته الفحول أن يدركوه … فأبى من حجابه المسدول
وأعرضوا عن سنا عبادته … جلّ فنالوا ظلام تحريق
فأزالوا نفوسهم وأتوه … بافتقار ونائل مبذول
وأصبحوا مالهم لديه سوى … لعنتهم عنه ضمن تسحيق
وسعوا نحوه به وأقاموا … حكمه تاركين قول العذول
فتجلى لهم فأفنى هواهم … ثم أفنى منهم شخوص النحول
طحنتهم منه الرحى حين دارت … ثم جاءت بهم مجيئ السيول
وعليهم تكرر الأمر حتى … وقعوا في اللقا وأمر مهول