يا شاعر النيل جار النيل بالشيم – جبران خليل جبران

يا شاعر النيل جار النيل بالشيم … وحاك أطياره بالشدو والنغم

في ضفتيه وفي تغريد صادحه … ما فينظيمك بين الوحي والكلم

وفي معانيك من أرواح جنته … أشفى النسيمات للأرواح والنسم

شعر كأن مفيض الخير سال به … على النهى سيله في القاع والأكم

كلاهما مخصب قحلا فمخرجه … حقلا ومؤنسه في وشة الديم

يطغى فيغشى عبوس الوجه أمرده … يونجلي عن عذار فيه مبتسم

بذل كالشعر صف مصرا وأمتها … صف كل معنى بها كالنافح الشبم

صف ذلك اللطف لو عزت به أمم … يوما لعزت به مصر على الأمم

صف ذلك الأنس يجري من منابعه … عذب المناهل مبذولا لكل ظمي

صف ذلك الرفق يقضي فيترقرقه … ما ليس تقضي رقاق السمر والخذم

صف ما يشاء جمال الطبع من دعة … وما يشاء حلال النفس من كرم

تلك الخلائق لا يجلو روائعها … نظم كنظمك من جزل ومنسجم

إني أود لها وصفا ويرجعني … عنه قصوري إذا حث الهوى قلمي

من لي بنظمك استدني مبعجزه … اقصى مرام لآمالي على هممي

حمدا لمصر وإطراء لمتها … عن صادق فيهما عال معن التهم

مصر الحضارة والاثار شاهدة … مصر السماحة مصر المجدمن قدم

مصر العزيزة إن جارت وإن عدلت … مصر الحبيبة إن نرحل وإن نقم

نحن الضيوف على رحب ومكرمة … منها وإنا لحافظون للذمم

جئنا حماها وعشنا آمنين به … ممتعين كأن العيش في حلم

فأينا قابل النعمى بسيئة … فإننا ملزموه أنكر الحرم

ومن ينله بإيذاء فإن بنا … ضعفيه من اثر الايذاء والألم

لكن قومي ابرار القلوب به … دع المريب الذي يدعو إلى وهم

لا بارك الله في ساع بتفرقه … بين الصفيين والجارين من أمم

يا حافظ الخير كن في عقد ودهما … فريدة العقد يلبث غير منفصم

أكشف بحزمك أستار الحفيظة عن … فخ تصاد به الأعراب للعجم

الشاعر الحق من يجلو الشعور له … شمسا من الوحي في داج من الظلم

بين النبيين والسواس نص له … من العلى منبر للراي والحكم

فخاره حيث يلقى رحمة وهدى … وحيث ينهى عن الهواء والقنم

وحيث يحمي الحمى من ضلة واسى … وحيث يدعو إلى الخطار والعظم

هذا الذي أنت يا ابن النيل فاعله … وذاك مجدك مجد النيل والهرم