يا دهرُ ويحكَ ما عدا ممَّا بدا – ابن عنين

يا دهرُ ويحكَ ما عدا ممَّا بدا … أرسلتُ سهم الحادثاتِ فأقصدا

أغْمدتَ سيفاً مرهَفاً شَفَراتُه … قد كان في ذات الإله مُجرّدا

فافعلْ بجَهدِكَ ما تشاءُ فإِنني … بعدَ المعظَّم لا أُبالي بالرَّدى

ما خلتهُ يفنى وأبقى بعدهُ … يا بؤس عيشي ما أمرَّ وأنكدا

لهفي على بدرٍ تغيَّب في ثرى … رمسٍ وبحرٍ في ضريحٍ ألحدا

أبقيتَ لي يا دهرُ بعدَ فراقهِ … كبداً مقرَّحة ً وجفناً أرمدا

وجوى ً يُؤجّجُ بين أَثناءِ الحشا … ناراً تزايدُ بالدموعِ توقُّدا

لم كانَ خلقٌ بالمكارمِ والتُّقى … يبقى لكان مدى الزمانِ مُخلَّدا

أو كان شقُّ الجيبِ ينقذُ من ردى ً … شَقَّتْ عليكَ بنو أبيك الأكبُدا

أو كانَ يغني عنكَ دفعٌ بالقنا الـ … ـخَطيِّ غادَرَتِ الوَشيجَ مُقَصّدا

ولقد تمنَّتْ أنْ تكونَ فوارسٌ … من آل أيوبَ الكرامِ لكَ الفدا

أبكيتَ حتى نَثْرَة ً وطِمِرَّة ً … وحزنتَ حتى ذابلاً ومهنّدا

كم ليلة ٍ قد بتَّ فيها لا ترى … إلاّ ظهورَ الأعوجيّة ِ مرقدا

تَحمي حِمى الإسلامِ منتصراً لهُ … بعزائمٍ تستقربُ المستبعدا

ولرُبَّ ملهوفٍ دَعاهُ لحادثٍ … جَلَلٍ فكانَ جوابُه قبلَ الصَّدى

ولطالما شيمتْ بوارقُ كفّهِ … فهمتْ سحائبُها علينا عَسجدا

ما ضلَّ غمرٌ عن محجَّة ِ قصدهِ … إِلاَّ وكان لهُ إِليها مُرشِدا

يا مالكاً من بعدِ فقدي وجهَه … جارَ الزمانُ عليَّ بعدكَ واعتدى

أَعززْ عليَّ بأنْ يزورَك راثياً … مَن كان زاركَ بالمدائحِ مُنشِدا

كم مورِدٍ ضنكٍ وردتَ وطعمُه … مرٌّ وقد عافَ الكماة ُ الموردا

وعزيزِ قومٍ مترَفٍ سربلتَه … ذُلاّ وكان الطّاغِيَ المتمرّدا

أَركبتَه حلَقاتِ أَدهمَ قصَّرتْ … منه الخطا من بعدِ أشقرَ أجردا

لولا دفاعُكَ بالصوارِمِ والقنا … عن حوزة ِ الإسلامِ عادَ كما بدا

وديارُ مصرٍ لو ونتْ عزماتهُ … عن نصرها لتمكنتْ فيها العدا

ولأمستِ البيضُ الحرائرُ أسهماً … فيها سبايا والموالي أَعْبُدا

ولأصبحتْ خيلُ الفرنجِ مُغيرة ً … تجتابُ ما بينَ البقيعِ إلى كدى

وبثغرِ دمياطٍ فكم من بيعة ٍ … عبدَ الصليبُ بها وكانَت مسجدا

أنقذتها من خطَّة ِ الخسفِ التي … كانت أحلَّتها الحضيضَ الأوْهدا

أجلَيتَ ليلَ الكفرِ عنها فانطوى … وأنرتَ في عرصاتها فجرَ الهدى

ولقدْ شهدتكَ يومَ قيساريَّة ٍ … والشمسُ قد نسجَ القتامُ لها ردا

والكفرُ معتصمٌ بسورٍ مشرفِ الـ … أبراجِ أحكم بالصفيحِ وشيِّدا

فجعلتَ عاليها مكانَ أساسِها … وألنتَ للأخشابِ فيها الجامدا

قلْ للأعادي إنْ فقدنا سيّداً … يَحمي الذمارَ فقد رُزِقنا سيّدا

الناصرُ الملكُ الذي أضحى برو … حِ القدسِ في كلِّ الأمورِ مؤيَّدا

أعلى الملوكِ محلَّة ً وأسدُّهم … رأياً وأشجعُهم وأطولُهم يدا

ماضي العزيمة ِ لا يرى في رأيهِ … يومَ الكريهة ِ حائراً متردِّدا

يقظٌ يكادُ يريهِ ثاقبُ فكرهِ … في يومهِ ما سوفَ يأتيهِ غدا