يا أَيُّها المَعمودُ – صريع الغواني

يا أَيُّها المَعمودُ … قَد شَفَّكَ الصُدودُ

فَأَنتَ مُستَهامٌ … خالَفَكَ السُهودُ

تَبيتُ ساهِراً قَد … وَدَّعَكَ الهُجودُ

وَفي الفُؤادِ نارٌ … لَيسَ لَها خُمودُ

تَشُبُّها نيرانٌ … مِنَ الهَوى وُقودُ

إِذا أَقولُ يَوماً … قَد أُطفِئَت تَزيدُ

يا عاذِلَيَّ كُفّا … فَإِنَّني مَعمودُ

أَكثَرتُما تَفنيدي … لَو يَنفَعُ التَفنيدُ

قَد أَقصَدَت فُؤادي … خُمصانَةٌ خَريدُ

بَهَنانَةٌ لَعوبٌ … غَرثى الوِشاحِ رُودُ

هِجرانُها قَريبٌ … وَوَصلُها بَعيدُ

كَلامُها خَلوبٌ … إِلى الصِبا يَقودُ

وَطَرفُها مَريضٌ … وَلَحظُها صَيودُ

وَهوَ لِنَفسِهِ إِذ … يَظلِمُ مُستَفيدُ

وَسنى وَلا كَوَسنى … تُميتُ مَن تُريدُ

كَالبَدرِ بَعدَ عَشرٍ … قارَنَهُ السُعودُ

وَثَغرُها شَتيتُ … وَريقُها بَرودُ

كَأَنَّ فيهِ مِسكاً … خالَطَهُ قِنديدُ

وَقَدُّها مَمشوقٌ … مُنَعَّمٌ مَقدودُ

وَكَشحُها لَطيفٌ … مُهَفهَفٌ خَضيدُ

كَأَنَّهُ قَضيبٌ … في غَرسِهِ يَميدُ

وَرِدفُها ثَقيلٌ … بِخَصرِها يَميدُ

كَأَنَّهُ كَثيبٌ … لَبَّدَهُ الجَليدُ

لَها مِنَ الظِباءِ … مُقَلَّدٌ وَجيدُ

كَأَنَّهُ غَزالٌ … بِبَلدَةٍ فَريدُ

أَو صَنَمٌ بَهِيٌّ … في دَيرِهِ مَعبودُ

أَحسُدُهُ مِراراً … وَمِثلُهُ مَحسودُ

قَد جَحَدَت هَواها … هَل يَنفَعُ الجُحودُ

مَن لامَ في هَواها … فَنُصحُهُ مَردودُ

يا سِحرُ واصِليني … فَإِنَّني عَميدُ

إِنّي لِما أُلاقي … مِن حُبِّكُم مَجهودُ

جودي لِمُستَهامٍ … عَذَّبَهُ التَسهيدُ

يَسهَرُ مِن هَواكُم … وَأَنتُمُ رُقودُ

حَتّى مَتّى مُنايَ … لا يُنجَزُ المَوعودُ

صارَ الهَوى بِقلبي … يُبدي كَما يُعيدُ

وَيحي أَنا الطَريدُ … وَيحي أَنا الشَريدُ

وَيحي أَنا المُعَنّى … وَيحي أَنا الفَريدُ

وَيحي أَنا المُمَنّى … وَيحي أَنا الوَحيدُ

وَيحي أَنا المُبَلّى … وَيحي أَنا الفَقيدُ

أَبادَني هَواكُم … وَالحُبُّ لا يَبيدُ

وَالحُبُّ يا مُنايَ … أَهوَنَهُ شَديدُ

وَالحُبُّ لي نَديمٌ … وَالحُبُّ لي قَعيدُ

وَالحُبُّ لي طَريفٌ … وَالحُبُّ لي تَليدُ

وَالحُبُّ لي إِذا ما … أَخلَقتُهُ جَديدُ

أَشهَدُ أَنَّ قَلبي … عَلى الهَوى جَليدُ

يَحمِلُ كُلَّ هَذا … وَحَملُهُ كَؤودُ

لَو كانَ مِن جُلمودٍ … تَفَتَّتَ الجُلمودُ

وَسادَةٍ سُراةٍ … ما فيهِمُ مَسودُ

كُلُّهُم جَليدٌ … ما فيهِمُ حَريدُ

بانَ السِفاهُ عَنهُم … فَرَأيُهُم سَديدُ

يُسقَونَ صَفوَ راحٍ … لَذيذُها مَوجودُ

كانَت بِعَهدِ نوحٍ … وَهُم لَها جُنودُ

حَتّى إِذا أُبيدوا … أَورَثَها ثَمودُ

شَمسِيَّةٌ شَمولٌ … شَيطانُها مَريدُ

مِن عَمَلِ النَصارى … لَم تَغذُها اليَهودُ

وَعِندِنا غَزالٌ … بِطَرفِهِ يَصيدُ

مُبَتَّلٌّ غَريرٌ … تُزهى بِهِ العُقودُ

حَتّى كَأَنَّهُ مِن … غُرَّتِهِ بَليدُ

فَلَم يَزَل يَسقينا … وَعَيشُنا رَغيدُ

مُدامَةٌ لَها في … خُدودِنا تَوريدُ

كَأَنَّ شارِبيها … في سوقِهِم قُيودُ

حَتّى اِنثَنَت عُيونٌ … وَاِحمَرَّت الخُدودُ

في مَجلِسٍ نَضيرٍ … يَزينُهُ الشُهودُ

غَطارِفٌ كِرامٌ … بيضُ الوُجوهِ صيدُ

مِن فَوقِهِم أَطيارٌ … صِياحُها تَغريدُ

وَتَحتَهُم جِنانٌ … نَباتُها نَضيدُ

أَكواسُهُم مِلاءُ … طافِحَةٌ رُكودُ

قَد قُلِّدَت بِآسٍ … فَزانَها التَقليدُ

مِثلُ بَناتِ ماءٍ … أَفزَعَها الرُعودُ

فَمَرَّةً رُكوعٌ … وَمَرَّةً سُجودُ

وَعِندَهُم دِفافٌ … وَزامِرٌ وَعودُ

خاضوا بِبَحرِ قَصفٍ … تَجري لَهُ مُدودُ

حَتّى اِنتَشَوا وَقاموا … مَجلِسُهُم مَحمودُ

مَن قالَ مِثلَ هَذا … فَإِنَّهُ سَعيدُ

هَذا الخُلودُ عِندي … لَو دامَ لِيَ الخُلودُ