يا أيها الدمعُ الوفيُّ ، بدارِ – أحمد شوقي
يا أيها الدمعُ الوفيُّ ، بدارِ … نقضي حقوقَ الرفقة ِ الأَخيار
أَنا إن أَهنتُك في ثراهم فالهوى … والعهدُ أن يبكوا بدمعٍ جاري
هانوا وكانوا الأكرمين ، وعودروا … بالقَفْر بعدَ منازلٍ وديار
لهفي عليهم؛ أُسْكِنوا دورَ الثرى … من بعد سكنى السمع والأبصار
أين البشاشة ُ في وسم وجهوهم … والبشرُ للندماءِ والسُّمّار؟
كنا من الدنيا بهم في رَوْضة ٍ … مروا بها كنسائم الأسحار
عطفاً عليهم بالبكاءِ وبالأَسى … فتعهدُ الموتى من الإيثار
يا غائبينَ وفي الجوانح طيفهم … أَبكيكُمُ من غُيَّبٍ حُضَّار
بيني وبينكمُ وإن طال المدى … سفرٌ سأزمعُه من الأسفار
إني أَكادُ أَرى محلِّيَ بينكم … هذا قَرارُكُمُ، وذاك قَراري
أوَ كلَّما سمح الزمان وبشِّرتْ … مصرٌ بفردٍ في الرجال مَنار
فُجعَتْ به، فكأَنه وكأَنها … نجمُ الهداية لم يدمْ للساري ؟
إنّ المصيبة َ في الأَمين عظيمة ٌ … محمولة ٌ لمشيئة ِ الأقدار
في أَرْيَحيٍّ ماجدٍ مُسْتَعْظَمٌ … رُزْءُ الممالكِ فيه والأَمصار
أوفى الرجالِ لعهدهِ ولرأيهِ … وأبرّهم بصديقهِ والجار
وأَشَدُّهم صَبراً لمعتقَداتِه … وتأَدُّباً لمجادلٍ ومماري
يَسقي القرائحَ هادئاً مُتواضعاً … كالجَدول المُترقْرِقِ المتواري
قلْ للسَّماءِ تَغُضُّ من أَقمارها … تحت الترابِ أحاسنُ الأقمار
من كل وضَّاءِ المآثر فائتٍ … زُهرَ النجومِ بزهْره السيّار
تمضي الليالي لا تنال كماله … بمعيب نقصٍ أو مَشِينِ سرار
آثاره بعدَ المواتِ حياته … إنّ الخلودَ الحقَّ بالآثار
يا منْ تفرَّد بالقضاءِ وعلمهِ … إلا قضاءَ الواحد القهّار
ما زِلتَ ترجوه، وتخشى سهْمَه … حتَّى رمَى فأَحطْتَ بالأَسرار
هلا بُعثتَ فكنت أَفصحَ مخْبَراً … عمّا وراءَ الموتِ من لازار؟
انفضْ غبارَ الموتِ عنكَ وناجني … فعَسَايَ أَعلمُ ما يكون غُباري
هذا القضاءُ الجِدُّ، فارْوِ، وهات عن … حكمِ المنية ِ أصدقَ الأخبار
كلُّ وإن شغفتهُ دنياه هوى ً … يوماً مطلقها طلاقَ نوار
لله جامعة ٌ نَهضْتَ بأَمرها … هي في المشارقِ مَصدرُ الأَنوار
أمنية ُ العقلاءِ قد ظفروا بها … بعد اختلافِ حوادثٍ وطواري
والعقلُ غاية ُ جَرْيه لأَعنَّة ٍ … والجهلُ غاية ُ جريه لعثار
لو يعلمون عظيمَ ما ترجى له … خرجَ الشحيحُ لها من الدينار
تشْرِي الممالكُ بالدَّم استقلالَهَا … قوموا اشتروه بفضَّة ٍ ونُضار
بالعلم يُبنى الملكُ حقَّ بِنائه … وبه تُنال جلائلُ الأَخطار
ولقد يُشاد عليه من شُمِّ العُلا … ما لا يُشادُ على القنا الخطَّار
إن كان سَرَّك أَن أَقمتَ جِدارها … قد ساءَها أَن مالَ خيرُ جِدار
أضحت من الله الكريم بذمّة ٍ … مَرْموقة ِ الأَعوانِ والأَنصار
كُلِئَتْ بأَنظار العزيزِ، وحُصِّنَتْ … بفؤادَ: فهي مَنيعة الأَسوار
وإذا العزيزُ أَعارَ أَمراً نظرة ً … فاليمنُ أَعجلُ، والسُّعودُ جَواري
ماذا رأَيتَ من الحجاب وعُسرِه … فدعوتنا لترفُّقِ ويسارِ ؟
رأيٌ بَدا لك لم تجدْه مُخالفاً … ما في الكتاب وسنَّة ِ المختار
والباسِلان: شجاعُ قلبٍ في الوَغى … وشجاعُ رأيٍ في وغى الأفكار
أوددتُ لو صارتْ نساءُ النيلِ ما … كانت نساءُ قُضاعة ٍ ونِزار؟
يَجمعن في سلم الحياة ِ وحربِها … بأْسَ الرِّجالِ وخَشية َ الأَبكار
إن الحجابَ سماحة ٌ ويسارة ٌ … لولا وحوشٌ في الرجال ضواري
جَهِلوا حقيقتَه وحِكْمة حُكمه … فتجاوزوه إلى أَذى ً وضِرار
يا قبّة الغوري تحتكِ مأتمُ … تَبقى شعائرُه على الأَدهار
يُحييه قومٌ في القلوب على المدى … إن فاتهم إحياؤه في دار
هيهات تُنسَى أُمة ٌ مدفونة ٌ … في أَربعين من الزمان قِصار
إن شئتَ يوماً أَو أَردت فحقبة ً … كلٌّ يمرُّ كليلة ٍ ونهار
هاتوا ابنَ ساعدة ً يؤبِّنُ قاسماً … وخذوا المراثِيَ فيه من بَشَّار
من كلِّ لائقة ٍ لباذخ قدرِه … عصماءَ بينَ قلائد الأشعار