ولَيلَة ٍ كأنّهَا يَوْمٌ أغَرّ – بهاء الدين زهير

ولَيلَة ٍ كأنّهَا يَوْمٌ أغَرّ … ظَلامُها أشرَقُ من ضَوْءِ القمرْ

كأنها في مقلة ِ الدهرِ حورْ … ما قصرت لو سلمتْ من القصرْ

حينَ أتتْ مرتْ كلمحٍ بالبصرْ … لَيسَ لهَا بَينَ النّهارَينِ أثَرْ

تَطابَقَ العِشاءُ منها والسّحَرْ … ألذُّ من طيبِ الكرى فيها السهرْ

قَطَعتُها فلا تَسَلْ عنِ الخبرْ … بصاحبٍ حُلوِ الحَديثِ وَالسّمَرْ

تَحضُرُ كلُّ راحة ٍ إذا حَضَرْ … في الجدّ والهزلِ جميعاً قد مهرْ

نِعمَ الرّفيقُ في المُقامِ والسّفَرْ … وشادِنٍ فيهِ من التّيهِ خَفَرْ

حلوِ الثنايا والتثني إنْ خطرْ … مِن أطرَبِ النّاسِ غِناءً وَوَتَرْ

وفيهِ أشياءٌ وأشياءٌ أخرْ … وقهوة ٍ تسدّ أبوابَ الفكرْ

أشرفَ شيءٍ عنصراً ومعتصرْ … تضعفُ عن إدراكها قوى البشرْ

رقتْ فما يثبتها حسنُ النظرْ … فلم تزَلْ حتى إذا الفجرُ انفَجَرْ

وغرِقَتْ منهُ النّجومُ في نَهَرْ … وأيقظَ النائمَ أنفاسُ السحرْ

وخمشَ النسيمُ أغصانَ الشجرْ … وفتتتْ يدُ الصبا مسكَ الزهرْ

قمنا وهلْ طابَ نعيمٌ واستمرّ … قد سَتَرَ اللّيلُ عَلَينا وَغَفَرْ

وما لَذيذُ العَيشِ إلاّ ما استَتَرْ … لليلِ عندي مننٌ إذا اعتكرْ

يُلحِفُني جَناحهُ عند الحَذَرْ … كمْ حاجة ٍ قضَيتُ فيهِ وَوَطَرْ

أوْدَعتُهُ سِرّ الهَوَى فَما ظهَر … رَقّ عليّ قَلبُهُ لمّا كَفَرْ