وقفت على القبر الذي أنت نازله – جبران خليل جبران
وقفت على القبر الذي أنت نازله … وقوف جبان باديات مقاتله
وما القبر إلا حلق غرثان هاضم … من الموت ما يلقي به فهو غائله
لمثل أمين يجزع الناس إذ مضى … أواخره محمودة وأوائله
دفناه مبكيا نضير شبابه … ومبكية آدابه وفضائله
كأنا نواريه الثرى كل ساعة … أسى وكأنا كل آن نزايله
هوى بين أيدينا وقد ودت المنى … لو أن لفضل ساعدا فهوناشله
كما سقطت في البحر درة باخل … أحاق به لج من اليأس شامله
فراح يعيد الطرف لا هو صابر … ولا هو يدري أي أمر يحاوله
يقطر فوق الغمر سائل دمعه … ولا يدرك الشيء لذي هوس ائله
فتى كان سباقا إلى كل غاية … ويعلم إلا قدره فهو جاهله
رجونا له بالطب برءا يسرنا … به وغذا الطب المؤمل خاذله
ومن قلبه الداء الذي هو يشتكي … فماذا تداويه وماذا وسائله
وكان على طيب الزمان وخبثه … جني ثمار الأنس عذبا مناهله
ولا يبتغي إلا المحامد والعلى … ومرضاة وجه الله فيما يزاوله
إذا اطبقت سحب الحوادث حوله … أضاءت بها أخلاقه وشمائله
وإن تدن نار الحقد منه تضوعت … مناقبه طيبا بها وفواصله
وما انقبضت إلا عن الشر كفه … وما انبسطت إلا لخير أنامله
فلا راعنا بين الأمين وكلنا … يجد إليه والهموم رواحله
هل المرء مرجو على كل حالة … لطول بقاء والليالي كافله
فإن كان طفلا فهن منذ ولاده … رهين المنايا والرزايا قوابله
وإن كا نشيخا فهو قد شد رأسه … إلى الأرض من عجز وناءت كواهله