وقفاتُ رأيك في الخطوبِ تأملُ – ابن الرومي

وقفاتُ رأيك في الخطوبِ تأملُ … ونفاذُ عزمِك في الأمورِ توكُّلُ

للَّه درُّك من عِمادِ خِلافة … ماذا تصون بك الملوكُ وتبذلُ

مازلتَ تَعمِدُ للمخوَّفِ صيانة ً … وتُسلُّ فيه كما يُسلُّ المُنصلُ

فرقَ الشكوكَ وفي الشكوكِ تلبُّسٌ … جمع الأمورَ وفي الأمور تزيُّلُ

جلبَ المعاشَ وفي المعاشِ تعذُّرٌ … حقَنَ الدماءَ وفي الدماء تبزُّل

هنأ الموفَّق أنه حظٌّ له … ظفرتْ يداه به يُطيبُ ويُجزِل

كافي المشاهدِ لا يخورُ ولا يني … ثبتُ السجية ِ ليسَ فه تغوُّل

متسربِلٌ ثوبَ الشبابِ ولم يزلْ … بالحزمِ فيه وبالوقارِ تكهُّل

فيه إذا افتُرِضَ البدارُ تسرُّعٌ … وله إذا حُذر العِثار ترسُّل

حمَّال أثقالٍ يقومُ بحملِها … كالطَّوْدِ ليس بجانبَيْهِ تخلخُل

فليعلمِ الملك المظفَّرُ أنه … ما للسلامة ِ ما أقام ترحُّلُ

سُدَّتْ على الخَللِ المداخلُ كُلُّها … ولقد يُرى في كل بابٍ يدخُلُ

نِعْمَ الوزيرُ اختارهُ لأُمورهِ … في كل نائبة ٍ ونعم المدْخَلُ

رجلٌ له أنَّي وكيف نسبْتَه … في الأكرمينَ تصعُّدٌ وتنزُّل

يقظانُ فيه تساقُطٌ وتغافُل … إذْ في سواه تسقُّطٌ وتغفُّلُ

مصقولة ٌ أخلاقُه لاتُجتَوى … مشحوذة ٌ عزماتُه لاتَنْكلُ

ولاّهما رأياً له ومروءة ً … فالرأيُ يُشحذُ والمروءة ُ تُصقَلُ

تفدى بآباء البرية ِ بلبلاً … وفداهُ بالأبناءِ طُرَّا بلبلُ

وكناهُ بالصقر العُقابِ كناية ً … ولخَير إخوتك الذكيّ القُلقُل

ذاك الذي لا ينقضي معروفُه … إلا بمعروفٍ له لا يَعْطُلُ

ذاك الذي سبق الكرامَ فما لهُم … إلا امتثالٌ خلفه وتمثُّلُ

إنْ قال قالوا ما يقولُ وإن أبى … فضلاً أبَوْه فما عداهُ تثقُّلُ

ولهم إذا نزلوا اليفاعَ تحوّلٌ … عنْه وليس له هناك تحوُّلُ

وترى تبدّله فتحسبُ زينة ً … وكأن زينة آخرين تبدُّل

وترى تعمُّلهم فتحسبُ هيبة ً … وكأن هيبتَه هناك تعمُّل

هو جَوْهرٌ والناسُ أعراضٌ وهم … يتبدّلون وليس فه تبدُّل

هذا مقالُ الحاسديك برغْمِهم … ولهم من الحسدِ المُمِضّ تململُ

وبنور شمسكَ أبصروكَ فإنها … تجلو عمى الأبصارِ عمّن يُكْحَلُ

ما قرّظوك محبّة ً لكنهم … لهمُ بذاك تتوُّجٌ وتكللُ

ومن العجائبِ أن أسائلَ مثلهم … وصفاتُك الحسنى بوصفك تكفُل

أنشأْتُ أسألهم بمثلكِ بعدما … أرجَت بريّاك الرُّبى والأهْجُلُ

فكأنني بسؤالهم متنورٌ … شُعلَ الذُّبالِ وللنهارِ ترحُّلُ

يا من تعرَّفتِ العُفاة ُ بجودِهِ … إنّ التشاغُل باللئام تبطُّلُ

إني امرؤ أودى الزمانُ بثروتي … وألحَّ يكلمُني وكفُّك تُدمل

فشددتُ نحوك أرحُلي مستيقناً … أني امرؤ ستُشد نحوي أرحلُ

أرجو لديك تعجُّلاً وتأجلاً … ولمرتجيك تعجُّل وتأجُّل

فليستمحْكَ فما مطامِعُ نفسِه … حُلُمٌ ألمَّ ولا مُناه تعلُّلُ

وعْدُ المنى وعْدٌ عليك نجاحهُ … وفلاحهُ والوعدُ عنك تكفُّل

ألفيتُ حاصلَ وعدِ غيرِك خِلفة ً … ورأيتُ رفدك قبل وعدك يحصُلُ

مستحمِداً لاتُستذمُّ ومُشرِقاً … لاتدلهمّ ونابهاً لا يخمُلُ

لم تلهُ عن حقّ المليكِ ولم تُضعْ … حقَّ الملوكِ فأيُّ حقّ يبطُلُ

عاونْتَهم ولزمْتَ طاعة َ ربّهم … ففضلْتَ بالحسنى ومثلك يفضلُ

وأحقُّ من دعتِ الملوكُ لأمرِها … مَنْ عندَه عوْنٌ وفيه تبتُّلُ

ممّن يبيتُ مع البراءة ِ خاشعاً … للَّه فيه تخوُّفٌ وتوجُّل

تتحلَّل الشُبهاتُ في طرقاتِه … وله بأفنية ِ الحذارِ تظلُّلُ

وسُلوكُ مَنْ طلب البوارَ تخمُّطٌ … وسُلوكُ من طلب النجاة تخلُّلُ

فيمَنْ سواك على الضعاف تحامُلٌ … أبداً وفيك عن الضعاف تحمُّلُ

ولمعشرٍ لا يُنعمون تطاولٌ … ولراحتيك الثَّرتين تطوُّلُ

ولقد نَفيْتَ عن التطوّلِ عيبهُ … فغدا وأصعبهُ مراماً يسهل

ولربّ شيءٍ ذي محاسنَ جمَّة … وله مقابحُ إن أُديم تأمُّل

عيبُ التطوّلِ أنه لا واجبٌ … ونراك توجبه وفيك تنصُّلُ

كمَّلْتَ بالإيجاب منه محاسناً … قد كنتُ أحسبُ أنها لاتكمُلُ

وإذا تجمّلَ بالنطول أهلهُ … فله بما قد زِدْتَ فيه تجمُّلُ

وقرنْتَ بالإيجاب أن صفّيْته … من كل إذلالٍ كمن يتنقّل

يأبى لك التفضيلُ إلا أن تُرى … وعلى التطوّلِ من يديك تفضل

لبروق وجهك في الوجوهِ تهلُّلٍ … ولصوبِ كفك في الأكف تهللُ

وترى نوافلَ ما أتيت فرائضاً … والفرض عند بني الزمان تنفُّل

متغافلاً عن ذكر ما أسديْتَهُ … وإذا وعدْتَ فذاكرٌ لاتغفُل

متواضعاً أبداً وقدرُك يعتلي … متضائِلاً أبداً وأمرُك يعبُلُ

فُقْتَ الأنام صنيعة ً وصنائعاً … لازلت تستعلي وقِرنك يسفُل

فإذا الأماثلُ خايروك صنيعة ً … فكأن أيمنُهم هنالك أشمل

وفرعْت من شيبانَ ذِروة َ هضْبة ٍ … تعلو السحابَ فأي شأنك يضؤل

لمْ لا تلوذبك الخلافة ُ بعدما … أثبتّ مرساها وفيه تزلزلُ

أثبتّ آساسَ البنية ِ بالصفا … لكنّ أجرافاً لهن تهيُّلُ

فأنمتَ ليلَ الخائفين مكحَّلاً … فيه السهادَ وللدُّثور تزمُّل

تَرعى وتمثُل في صِلاتِك تارة ً … لمن احتباك فخلفُه لك يَمْثُل

تغدو وفيك تشدد وتودُّدٌ … كالدهرِ فيه توعُّر وتسهُّل

وبشيرُ من عاملْتَه ونذيرهُ … في حالتَيْك تبسُّم وتبسُّل

وكأن شخصَك حينَ يعقدُ حبوة ً … جبلٌ تخاشَع في ذُراه الأجبُل

وإذا وقرْتَ أو اهتَزَزْتَ لصولة ٍ … أرسى يلملمُ أو تزعزعَ يذبل

وسألتُ عنك الحاسدين فكُلُّهم … قالوا مقالاً ليسَ فيه تقوُّل

ذاك الوزيرُ بحقّه وبصدقِه … يُصْفي النصيحة َ للمولك وينخلُ

ذاك المؤمَّلُ للرعاة ِ ومن رعَوْا … إنْ صحَّ للمُتأملين تأمُّل

لا مَطْل فيك لطالبٍ منك الغنى … وإذا طلبتَ فإن شأوَك يمطلُ

وإذا اختُبرتَ فللعُفاة تعوّدُ … يدعو إليك وللعِداة ِ تنكُّلُ

وإذا سُئلْتَ فلا نداك تكلُّفٌ … وإذا مُدِحْتَ فلا ثناك تمحُّلُ

وكأن لهوتَك التي تعطى لُهاً … كأنَّ سَجلكَ في العاطِش أسجُلُ

وكأن ذمّتك التي هي عِصمة ٌ … ذِمَم الورى وكأنَّ حبلكَ أحبلُ

فمتى دعا المعتافَ نحوك مرة ً … فألٌ دَعتني من فعالِك أفْؤُل

خُذْها إليك مُقرة ً بمعايِبٍ … ترجو تغمُّدَها لديك وتأمُلُ

وأقلُّ حقّك أن تُرى متجاوزاً … عن شاعرٍ في القولِ منه تهلهُلُ

ماضره ألا يجيدَ ومالهُ … بسوى نداكَ إلى جداك توسُّل

بل ما عليك من المدائح أُحكِمتْ … أم هُلهلَت في وشيِ نفسك ترفُل

ما قد كسْتك يداك مما أسدتا … كافٍ ومدْحُ المادحين تأكُّلُ

من كان يزعمُ طيبَ نشرِك آتياً … مما يقول فذاك منه تنحّلُ

تتصرّف الأرواحُ كيف تصرّفَتْ … وثراك من مسكٍ حباه قرنفلُ

لم تُذْكِ نشرَكَ في البلادِ مدائحٌ … لِركابِها في الخافِقيْنِ تقلقلُ

يكفيك نقلُ الشعر ذكركَ إنه … ذكرٌ له بِسدى يديك تنقُّلُ

أغنى العيانُ عن السّماعِ وما يُرى … فهْو اليقين وما يُقال تختُّل

بلغتْ مآثرْك البعيدَ فما الذي … نرويه عنك بمدحنا أو تنقلُ

هذا لذاك وإنْ أجاد مُجيدُنا … فلما فعلْتَ عن المقال تمهُّلُ

وبأن أجَدْتَ أجاد مدحاً مادحٌ … قسماً بمدحك ليس عنك تحلُّل

لولا البدائعُ من فعالك لم يكن … للمادحين إلى البديعِ تغلغُل

أرجو وإن رذُلتْ مدائحُ قُلتُها … أن لا يكونَ لديك مَدْحٌ يرذُل

لتخلُّف الشعراءِ عندك رأفة ٌ … ولسبق سابقهم لديك تقبُّلُ

فمتى تقدّمَ أو تأخّر شاعرٌ … عن شأوِ صاحبه ففيك تحمُّلُ

ما كلُّ مثلومِ الكلامِ بساقطٍ … قد يُقتَنى سيفٌ وفيه تفلُّل

ويقومُ طِرفٌ دون شوطِ رسيله … ويحليانُ حُلًى لهن تصلصلُ

عشقْتك أبكارُ القريض وعُونُه … فغدتْ إليك عواصياً منْ يعذل

ورأت لهاك عفاتَها أكفاءها … فغدت هناك عواصياً من يعضلُ

كم من قوافٍ لا يُنالُ وصالُها … قد أصبحت ولها إليك توصُّل

باتت معاولها عليك تقاتُلٌ … وغدت إليك لها إليك تقتُّلُ

متغزلات عند أروع مالَهُ … إلا مع المِدَح الوِضاءِ تغزُّلُ

بل لاتغزُّلٌ عند من لبنانه … رُفضَ التغزُّلُ بل هناك تبعُّلُ

سأسوء قوماً بامتداحِك همُّهم … في أن تُذَمّ وفي صنيعك يرذُلُ

لهمُ إذا أجملتُ فيك تجمُّلٌ … ولهم إذا فصّلْتُ فيك تفصُّلُ

فاسلمْ لمدحِ المادحين ولاتزل … ذا نائل يُحبَى وكيدٍ يَقْتُل

فكِرٌ كمقدار السماءِ إذا انتحى … لم يعصمِ الأوعالَ منه توقُّلُ

ومناصحٌ تعلَى ونبْلٌ يعتلي … وصفائح تعلو وسُمر تنهلُ

لمُنابذيك ولابن سلمك جنة ٌ … لثمارها أبداً عليك تهدُّل

أنا من تحلله الزمانُ بتركه … ولمستجيرك بالأمان تجللُ

عزْبٌ من النعم الجِسامِ مقدّرٌ … بل أن يقدّرَ لي بهنّ تأهلُ