وصية شهيد فلسطيني – جمال مرسي

أُمّاهُ لا تحزني إنْ جاءَكِ الخَبَرُ … أو قيلَ طالَ بِهِ يا أُمَّهُ السفَرُ

لا تُهرقي دمعَكِ الغالي إذا خَطَرَتْ … يا حبَّةَ القلبِ بعد الغيبةِ الفِكَرُ

قرِّي و نامي و ملءُ العينِ فرحتها … إنِّي هناك بدارِ الخُلدِ أنتظِرُ

لمّا سمعْتُ نداءَ الحقِّ يدعوَني … تسابقَ القلبُ و الإحساسُ و البَصَرُ

فما وجَدْتُ سوى نفسي أقدِّمُها … للهِ ، لم يُثنِها عن عزمِها الخطَرُ

كان الصباحُ جميلاً حينما انطَلَقَتْ … ساقايَ نحوَ العُلا يحدوهُما الظَّفَرُ

كأنَّ أنسامَهُ من جنَّةٍ عَبَقَتْ … روحي ، و أعطارُهُ في الأُفْقِ تنتشِرُ

يا كم تمنَّيْتُ يا أُمّاهُ في صِغَري … نيلَ الشهادةِ ، لم يُنعِمْ بها الصِّغَرُ

حتّى أفاءَ الذي نفسي بقبضتِهِ … بها عليَّ ، و جودُ اللهِ يُذَّكَرُ

أرنو إلى الموتِ ، إن الموتَ في شَمَمٍ … بطعنةِ الرمحِ أو بالسيفِ يُعتَبَرُ

و الموتُ فوقَ فِراشِ الذلِّ في فَزَعٍ … ذنبٌ لصاحِبِهِ ، يا ليت يُغتَفَرُ

لمّا رأيتُ عدوَّ اللهِ في وطني … قد ضاقَ ذرعاً بِهِ المحراثُ و الشَّجَرُ

و أَنَّتِ الروضَةُ الحسناءُ ، إذ عَبَثَتْ … كفُّ اللئيمِ بها و استنجدَ الثمَرُ

و مسجدُ القدسِ يشكو غدرَ مُغتَصِبٍ … يدعو أيا مُسلماً : مَنْ ليْ سينتَصِرُ ؟

يشكو، فلم يستَجِبْ يوماً لصرختِه … إلا القليلُ ، و جُلُّ الناسِ مُستَتِرُ

كأنَّما الأرضُ آذانٌ بها صَمَمٌ … و قلبُ سُكّانِها الجلمودُ و الحَجَرُ

و العالمُ المُبتَلى بالصمتِ مُنشَغِلٌ … بالكأسِ ، باللاعبِ المشهورِ يفتَخِرُ

يهزُّهُ حارسُ المرمى و طلعتُهُ … أو نجمةٌ زيَّنَتْ أعطافَها الدُّرَرُ

و تُذرَفُ الأدمُعُ الحرّى إذا مَرِضَتْ … أو أعلَنَتْ موتَها الأنباءُ و الصُّوَرُ

يهتزُّ عالمنا لو قطةٌ ذُبِحَتْ … و لا يُحَرِكُهُ لو يُذبحُ البَشَرُ

من أجلِ ذاك أيا محبوبتي اْنطَلَقَتْ … روحي كقنبلةٍ في البغيِ تنفجِرُ

و لو مَلَكْتُ سوى الروحِ التي قُبِضَتْ … ألفاً ، لفجرتُها في وجهِ من غَدَروا

أجودُ بالنفسِ كي تبقى كرامتُنا … تاجاً على الرأس يا أُمّاهُ يزدَهِرُ

فباركي يا حياةَ القلبِ تضحيتي … و لا تُبالي ، فإنَّ الموتَ ليْ قَدَرُ

نامي و قرِّي و ملء العينِ فرحتُها … إنِّي هناكَ بدارِ الخُلدِ أنتَظِرُ

هذي وصيَّةُ من أرْضَعْتِهِ شَمَماً … فلتقرئي ما بها إنْ تُسدَلِ السُّتُرُ