وصلت ورَيعانُ الشبيبة ِ مونقُ – حيدر بن سليمان الحلي
وصلت ورَيعانُ الشبيبة ِ مونقُ … وجفت وقد لبس المشيب المفرقُ
والغيدُ طوعَ نسيمِ رَيعانِ الصِبا … يهتّزُّ غصن شبابهنَّ المورق
والشيبُ إن حطَّت عقابُ نهاره … فغرابُ ليلة ِ وصلهنَّ محلَّق
أدرت فتاة ُ الحيِّ أنّي مذ نأت … قلبي أسيرُ هوى ً ودمعي مُطلق
أنا والجوى والدمعُ وهي ومُهجتي … طوعُ البِعادِ مغرّبٌ ومشرّق
عافت أخا دمعي العقيق وثغرُها … أمسى يَضيءُ به أخوه الأبرق
لله موقفنا صبيحة َ أجمعت … بينا له جزعاً بريقي أشرق
ومسكتُ قلبي كي يقرَّ وإنّه … ليكادُ يلفظه الزفيرُ فيحرق
وكظمتُ أنفاسي الغداة َ وفوقَها … كادت مجامعُ أضلعي تتفرَّقُ
جاذبتُها فضلَ الرداءِ فأقبلت … بالعُنف تجمعُ ما جذبتُ وأرفق
ومذ استقلَّ بها الفراقُ دعوتُها … بالدمع إذ هو من لِساني أطلق
الله ياذات النظاقِ بواجمٍ … لسُنُ المدامعِ عن جواه تنطِق
وتذّكري عهدَ المودَّة ِ بيننا … أيّامَ أوقاتي بلهوِكِ تُنفق
متألّفين بحيث لاظلُ الهوى … صاحٍ ولا صفوُّ الودادِ مرنَّق
في روضة عذراءَ لم يبرح بها … يمري مذانبه الغمام المغدق
يسري النسيمُ عليلة ٌ أنفاسُه … فيها بنشرٍ من عبيرك يعبَق
وعيون نرجسُها المُندّى غازلت … منكِ المحيّا وو شمسٌ تشرق
فكأَنَّ في أجفانِهنَّ الطلَّ من … أنوار وجهكِ أدمعٌ تترقرق
ولهوتُ منكِ بذات خدرٍ زانَها … ثوبُ الشبابِ الغض لا الاستبرق
طوراً تعاطيني الحديثَ وتارة ً … راحاً بها شملُ الهمومِ يفرَّق
قالت وقد عاقرتُها من كفِّها … صرفاً لها نورٌ يروقُ ورونق
ألها نظيرٌ، قلت خلقُ «محمَّدٍ» … في لُطفه منها أرقُّ وأورق
خلقٌ لأبلجَ غير معقودِ الندى … ديمُ الغمامِ غدت به تتخلَّق
عذبتُ بفيه نعم فليس بغيرها … يلقى الذي من جُوده يسترزق
ويدّ أنَّ بكلّ منبتِ شعرهِ … منه بقول نعم لسانٌ ينطق
أثرى من الحسب الكريم وكلّ من … أثرى بلا حسبٍ مقلٌّ مملق
فانظر لمن عُرُبُ القوافي في الورى … تُنشى وأبكارُ المعاني تخلق
ما فيهم إلاّ محمَّد صالحٌ … بالمدح جيدُ علائِه يتطوَّق
المستجارُ من الزمان بظلِّه … إن جاءَ يرعدُ بالخطوب ويبرق
والمستضاءُ بوجهه إن يدجُ من … دًُهُم الحوادث ليلهنَّ الأورق
ومسدُد الآراءِ أسهُم رأيه … غرضَ القضايا الغامضاتِ تطبّق
يقضانَ قد سبرت تجارب حزمه … غورَ الزمانِ بأيِّ فنِّ يطرق
إن أبهمت يوماً مطالعُ شبهة ٍ … عمياءَ فيها الحقُّ لا يتحقّق
يغشى نُعاسُ الجهلِ تحت ظلامها … بصرَ القلوبِ المدركاتِ فتخفق
فعمودُ صبحِ بيانِه بضيائِه … غسقَ العمى لذوي البصائر يَفلِق
وإذا تحيّرت العقولُ بمشكلٍ … صعبٍ مجال الوهم فيه ضيّق
جَمعَ العقولَ على الصواب بحجّة ٍ … فيها احتمال الريبِ لا يتطرّق
فمن السكينة ِ والوقارِ سكوتُه … وله المقالُ الفصلُ ساعة َ سنطق
وعُلاؤه الآفاقُ ضِقنَ بعظمها … وبعظمِ معجزه البسيطة ُ أضيق
إمّا أقامَ فمنه طرفُ الناس في … قرّت بإنسانيهما عيناكما
وبأيّ أرضٍ قد سرى ففعاله … عن أهلها عين الحوادثِ تطبق
فالناسُ في جدواه شخصٌ واحدٌ … وبمدحه الدنيا جميعاً تنطق
ونداه لو سكتوا لنوَّه باسمه … إنَّ الندى لهو الخطيبُ المفلق
وإذا ترادفت المحولٌ تشعّبت … منه غمائمُ للبلاد تطبّق
وغدا يرفُّ على البريّة ظلُّها … وبرَّيق النعماءِ فيهم تغدق
حتّى تمجُّ الأرضُ ماءَ نعيمها … ريّا وبالعشب الثرى يتشقّق
فتبيتُ حالية َ بوشي ربيعها … ولساكنيها العيشُ غضًّا يونق
مننٌ تفوت الواصفينَ وإنّما … وصفُ الأنامِ ببعضها يستغرق
وإذا انتمى فلدوحة الشرف التي … تنمو على مرِّ الزمانِ وتورق
وشجت قديماً سارياتُ عروقها … حيث المجرّة ُ نهرُها يتدفّق
فاصولُها فوقَ السما وفروعُها … شرفاً إلى مالا نهايَة تبسق
وطريفُ علياهُ يريك تليدها … فمن المكذِّبُ والطريفُ مصدّق
لا كالذي بينَ البريّة أصلُه … خرٌ على عَلكِ اللسان يُلفَّق
مَلِكٌ على أُولى الزمانِ قبيلهُ … بذوائب الشرف الرفيع تعلّقوا
طلبوا سماءَ المجد فابتدرت بهم … تسموا قُدامى عزِّهم وتحلّق
حتى ارتقوا أفلاكها وغدا لهم … دون البريّة غربُها وتحلّق
وإلى انقطاعِ الدهرِ فخرُ علاهم … أبداً بهالتها الرفيعة محدق
فكفاهم فخراً بأنَّ عشيرَهم … فيه وفي عبد الكريم معرّق
فهما معاً كفّا نداً وُصِلا بِهم … وُهُم لتاج العزّ قدماً مِفَرق
فرعا عُلاهم في حديقة ِ مجدهم … ما أثمراه طيبٌ مستوسق
ضربا بعرقٍ واحدٍ في طينة ٍ … هي من سواها في المكارم أسبق
مَثَلانِ مهما راهنا في حلبة ٍ … فغبار شأوهما بها لا يُلحق
وبكفّ كلّ منهما ما برّزا … في السَبقِ رهنَ ذوي المعالي يغلق
كالعين تبلغُ أختُها الشأوَ الذي … بلغتهُ إن كلٌّ إلأيه تحدّق
يا نيّري فلكِ المعالي مَن غدا … لهما بكلّ سماءِ مجدٍ مَشرِق
… وعلى القذى أغضى الحسودُ المحنق
فلقد تباشرتِ النفوسُ بأوبة “الـ … ـهادي” وجمَّع أُنسُها المتفرّق
وسما المكارمِ أشرقت لمّا بدا … نورُ «الحسينِ» بأُفقها يتألّق
قَدِما معاً والسعدُ طائرُ يمنه … غَرِدٌ يرفُّ عليهما ويرنّفق
ولئن تشوّقت البلادُ إليهما … فألى لقائِهما المعالي أشوق
لا مسَّ أيدي الرامياتِ إلى مِنى ً … نَصَبٌ ولا منها عُقِرنَ الأسوق
فلكعبة البيت الحرام بكعبتي … أملِ العفاة ِ سرت خفائف تُعنِق
وبثقل أجرهما ثقيلاتُ الخطا … صدرت كأَنَّ لها الرواسي أوسق
المُحرِمَينِ وإن أحلاّ دائماً … زهداً بما تهوى النفوس وتعشق
فكأَنَّ كلَّ مقامٍ احتلاّ به … حرمٌ وحجٌّكلَّ يومٍ يخلق
والركنُ يشهدُ أنَّ كفهما التي … استلمته لا إثمٌ بها متعلق
نحرا غداة َ النَفرِ هدياً قال لم … يُقبل سواي لو أنَّ هدياً ينطق
وسرينَ من حرم الأله جوانحاً … بهما إلى حرم البنيّ الأينق
بيتٌ لو البيت استطاعَ لجاءَه … بالركن يسعى سعيَ من يتملّق
فالدهرُ فيه محرِّمٌ فمقصِّرٌ … والفخرُ فيه طائفَّ فمحلِّق
عكفا به يتمسَّكانِ فناشقٌ … لَثَم الضريحَ ولاثمٌ يتنشَّق
واستقبلا حرمَ الوصيِّ وإنَّه … حرمُ الإله به الملائكُ تحدِق
فاستشفعا لله فيه ويميمّا … نادٍ بغير العزِّ ليسَ يُروَّق
رُفعت بأعلا “الكرخ” منه سُرادقٌ … بعلائها العيّوق لا يتعلّق
جمعَ الصلاحَ على التُقى أطرافهُ … وغدا لواءُ الفخرِ فيه يخفق
فلتلبس الزوراءُ حلَّة زهوِها … فالعيشُ رغدٌ والهنا مُستوسقِ
أوما ترى كأَس المسرّة تُجتلى … لعشيرة الشرفِ الرفيعِ وتُدَهق
عقدوا النديَّ وللوفاءِ محبُّهم … يُنشي المديحَ مُهنياً وينمّق
والزهرُ من أبنائهم ما بينها الـ … ـندبُ “الرِضا” في خُلقه تتخلّق
قد أحدقت منه بأزهدِها كما … تمسي بأزهرها الكواكب تُحدق
تسمو لو احظُهم إليه مُطرِقاً … وإذا سمت منه اللواحظُ تُطرِق
لو أنصفته الكاشحون بنعله … لتتوجوا ويبشعِها لتمنطقوا
عبِقت شمائله فما رَيّا للصَبا … ممطورة َ الأنفاسِ منها أعبق
وجلت محيّا الدهرِ بهجة ُ وجهه … فارتدَّ وهو من النضارة مُشرِق
وجهٌ يلوحُ عليه عنوانُ النُهى … ويروق فيه من الطلاقة ِ رَونَق
ومن الخلالِ الصالحات قد احتوى … مجموعَ ما هو في الورى مُتفرّق
فبعزّه صرفُ الزمانِ مقيدٌ … وبجوده جودُ العفاة ِ مطوّق
أمراهنيه في الفخار وراءكم … عمّن إذ ابتدرَ المدى لا يُلحق
ودعوا الندى فله محمدُ جعفرٌ … يسقي رياضَ المكرماتِ فتورِق
ضرغامُ هيجاءٍ إذا ذُكر اسمه … في يوم روعٍ للجموع تفرّقوا
خُلِقت أنامل راحتيه أبحراً … يروي بها طوراً وطوراً يغرِق
نشأت لهنَّ غمائم بين الورى … عشرٌ بوادقها تضيء وتحرق
في السلم وابلُها النُضار وإنّما … في الحرب وابلُها دمٌ يتدفّق
ولها تُبسمُه بريقٌ في الندى … وبسيفه يومَ الكريهة تَبرُق
لو قيلَ يومَ الروعَ من ترِبُ الوغى … لأشارَ من بُعدٍ إليه الفليق
أو قيلَ أيُّ الناسِ أسبقُ للندى … قلنا “محمدٌ الجواد” الأسبقُ
لججٌ أسرّة ُ راحتيه ووجهُه … منه سهيلٌ طالعٌ يتألّق
فاعجب لأنضاء الوفود وأُنسها … بسناه إن وردت وليست تفرُق
ملأَ الزمان فواضلاً وفضائلاً … بهما يكلُّ من الفصيح المَنطِق
يا مَن رباعُهم غدت مملوَّة ً … بالوفد من كلِّ الأماكنِ تُطرق
فتحوا لهم بابَ السماحِ بهنَّ في … زمنٍ به بابُ السماحة ِ مُغلق
قد زفَّ فكري من عقائِله لكم … عذراءَ ليس لِغيركم تتشوّق
أَضحت بجيب الدهرِ جَونَة عنبر … في نشر ذكركم تضوعُ وتعبق
جاءَت كما اقترح الوفاءُ وإن يكن … كثرُ القصيدُ فغيرُها لا يُعشق
وترى الوفا نفسُ الكريم لأهله … فرضاً ولو بأدائه هي تزهق
وتمجُّه نفسُ اللئيم ولو لَها … ما دُمتَ بالعسل المصفّى تُلعِق