واعمُرْ بقصرِ المُلْكِ ناديكَ الذي – عبدالجبار بن حمديس

واعمُرْ بقصرِ المُلْكِ ناديكَ الذي … أضحى بمجدك بيته معمورا

قصرٌ لو أنَّك قد كحلتَ بنوره … أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا

واشتقّ من معنى الحياة نسميه … فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا

نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره … وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا

ولو أنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ … ما كان شيءٌ عنده مذكورا

أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى … رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا

ومضَتْ على الرّوم الدهورُ وما بنوْا … لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا

أذكرتنا الفردوس حينَ أريتنا … غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا

فالمحسنون تزيّدوا أعمالهم … وَرَجَوْا بذلك جَنَّة ً وحريرا

والمذنبون هُدوا الصراطَ وكفّرتْ … حسناتهمْ لذنوبهم تكفيرا

فلكٌ من الأفلاكِ إلاّ أنّه … حَقَرَ البدورَ فأطلع المنصورا

أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ … ثم انثنيتُ بناظري محسورا

وظننتُ أني حالمٌ في جنّة ٍ … لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا

وإذا الولائد فتّحتْ أبوابه … جَعَلَتْ تَرَحّبُ بالعُفاة ِ صريرا

عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ … فغرَتْ بها أفواهها تكسيرا

فكأنَّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها … من لم يكنْ بدخوله مأمورا

تجري الخواطر مطلقات أعنة ٍ … فيه فتكبو عن مداه قصورا

بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ … فُرِشَ المهَا وتَوَشّحَ الكافورا

ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ … مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا

يستخلفُ الإصباح منه إذا انقضى … صبحاً على غسقِ الظلام منيرا

وضراغمٌ سكنتْ عرينَ رئاسة ٍ … تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا

فكأنَّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا … وأذابَ في أفواهِها البلّورا

أسدٌ كأنّ سكونها متحركٌ … في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا

وتذكّرتْ فتكاتها فكأنما … أقعتْ على أدبارها لتثورا

وتخالُها، والشمسُ تجلو لونَها … نارا وألسُنَها اللواحسَ نورا

فكأنما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ … ذابتْ بلا نارٍ فعُدنَ غديرا

وكأنما نسجَ النسيم لمائه … درعاً فقدّرَ سردها تقديرا

وبديعة ِ الثمرات تعبرُ نحوها … عيناي بحرَ عجائبٍ مسجورا

شجرية ٍ ذهبية ٍ نزعتْ إلى … سحر يؤثّر في النهى تأثيرا

قد صَوْلجتْ أغصانها فكأنما … قنصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا

وكأنَّما تأبى لواقع طيرها … أن تستقلّ بنهضها وتطيرا

من كلّ واقعة ٍ تَرَ منقارها … ماءً كسلسال اللجين نميرا

خُرسٌ تُعدّ من الفصاح فإن شدّتْ … جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا

وكأنَّما في كلّ غصنٍ فضة ٌ … لانتْ فأرسلَ خيطها مجرورا

وتريكَ في الصهريج موقعَ قطرها … فوقَ الزبرجدِ لؤلؤاً منثورا

ضحكتْ محاسنهُ إليك كأنما … جُعلتْ لها زهرُ النجوم ثغورا

ومَصفَّحِ الأبوابِ تبرا نَظّروا … بالنقش بين شكوله تنظيرا

تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت … فلك النهود من الحسان صدورا

خلعتْ عليه غلائلاً ورسيَّة ً … شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا

وإذا نظرتَ إلى غرائب سقفه … أبصرت روضا في السماء نضيرا

وعجبتَ من خُطّافِ عسجده التي … حامت لتبني في ذراه وكورا

وضعتْ به صناعُهُ أقلامَها … فأرتكَ كلّ طريدة ٍ تصويرا

وكأنَّما للشمس فيه ليقة ٌ … مشقوا بها التزْويقَ والتشجيرا

وكَأنَّما للازَوَرْد مُخَرَّمٌ … بالخطّ في ورقِ السماءِ سطورا

وكأنما وَشّوا عليه ملاءة ً … تركوا وشاحِها مقصورا

يا مالكَ الأرضِ الذي أضحى له … مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا

كم من قصورٍ للملوك تقدّمتْ … واستوجَبَتْ لقصورك التأخيرا

فعمرتها ومَلَكتَ كلّ رئاسة ٍ … منها ودمّرْتَ العدا تدميرا