وأقبل الأمن بآلآئه – جبران خليل جبران
وأقبل الأمن بآلآئه … فكل نفس بالرضا تشعر
كأنما الأمن ربيع له … في كل ما مد به مظهر
فحيث يخفى عبق فائح … وحيث يبدو غصن مزهر
والدهر في أثنائه باسم … والعيش في أفيائه أخضر
وللمنى من راحه مورد … وللغنى عن ساحه مصدر
ما أبهج السلم وتبشيره … وغبطة الخلق بما بشروا
قد نافس الأيام لكنه … نافسه اليوم الذي نحضر
فكاد لا يدري محبوكم … أي السرورين هو الأوفر
سلوا الأولى تفتن أنواركم … أما نسوا أن الدجى مقمر
سلوا الأولى تعجب أزهاركم … ورد الربى أم وردكم أفخر
وأشمل النعمى بأفراحها … هي التي يحظى بها الأجدر
ألحمد الله على أن خلت … حرب بها قصمت الأظهر
كادت تريب الخلق لو لم يروا … في الغب أن الحق مستظهر
كارثة أعظمها دهرها … ومثلها تعظمه الأدهر
ما أكربت تبدو بآفاقها … نجوم نحس شرها مسعر
حتى أتاح الله تلقاءها … نجوم سعد نوءها خير
في مصر منها كوكب نير … يا حبذا كوكبها النير
كأنما الأعين كاساته … كأنما لألاؤه كوثر
أوفى فلم يحجب هدى نوره … إلا وإصباح الهدى مسفر
بنت الثريا أنا مستخبر … لعل ذا معرفة يخبر
إذا بدا الفجر وآياته … كأنها راياته تنشر
ولبثت كل نؤوم الضحى … في لجج الأحلام تستبحر
ساهرة الليل على أنها … لمرقص أو مقمر تسهر
تذهل أم الولد عن ولدها … وتستخف الريبة المعصر
من التي تنهض من بكرة … وحرة القوم التي تبكر
فتهجر الترفيه في بيتها … وهو الذي ما اسطيع لا يهجر
وتغتدي يوفض سيرا بها … منخطف كالبرق أو أسير
في ملبس شف بظلمائا … عن غرر من شيم تزهر
تبدو مرضاها بإلمامها … والعهد أن الأحوج الأبدر
تألف لا تأنف مستوصفا … للبؤس في أكنافه محشر
يمض من مر به ناظرا … لفرط ما يؤلمه المنظر
ما حال من تدأب تنتابه … تخبر من بلواه ما تخبر
معشرها من أنسها موحش … وأتعس الخلق لها معشر
من صبية فيهم سديد الخطى … وفيهم الأصغر فالأصغر
أجدهم بثا وتلعابهم … يبكيك إذ يهذي وإذ يهذر
وفيتة يودي بهم جهلهم … فهالك في إثره منذر
ومرضع من نضبها تشتكي … وهرم من ضعفه يهتر
وطفلة ما عربدت عينها … لكن سقما لونها الأحمر
وذات حسن أحصنت عرضها … وإن تولى هتكها المئزر
إن خفر القلب فذاك التقى … ما الثوب إلا ذمة تخفر
لهفي على تلك النفوس التي … هيضت وود البر لو تجبر
هي الشقاوات لقد صورت … في صور توحش أو تذعر
لها وجوه باديات القذى … مبصرها يؤذي بما يبصر
تعبس حتى حينما تجتلي … ذاك المحيا طالعا تبشر
يا حسن تلك المفتداة التي … آياتها في البر لا تحصر
لاحت فلاح النور بعد الدجى … جاءت فجاء الدهر يستغفر
تأسو برفق أو تواسي به … قد يضجر الرفق ولا تضجر
تسام أقصى ألم المشتكي … وفوق صبر المشتكي تصبر
تطارد الفقر بمعروفها … وإنه للخاتل الأنكر
تحارب الجوع بإيمانها … والجوع عين الكفر أو أكفر
تظل بالجود تعفي على … ما يتلف التسهيد والميسر
وباليد البيضاء تبني الذي … يهدمه الإدمان والمسكر
يلوم قوم طولها بالندى … ولا تلوم القوم إن قصروا
وما تبالي كيف كانت سوى … ما طاهر الوحي به يأمر
عاذرة للناس والناس قد … تتهم الحسنى ولا تعذر
وبعد هذا كم لها جيئة … في يومها أو روحة تشكر
كم خدمة في كل جمعية … للخير لا تألو ولا تفتر
كم دار تنكيد إذا أقبلت … عاد إليها صفوها المدبر
كم هالك تنقذه من شفا … وكادت الدنيا به تعثر
كم دون عرض تبتغي صونه … تمهر والأقرب لا يمهر
كم تتصدى لعليل وما … من خطر في بالها يخطر
لا تكتفي بالمال لكنها … تعطي من الصحة ما يذخر
كبيرة القدر ولكن لدى … كل صغير القدر تستصغر
تاحت لمصر أختها قبلها … بأي أخت بعدها تظفر
يتيمتا العصر هما هل ترى … ثالثة تأتي بها الأعصر
سسيل هل تردين تلك التي … أذكرها أنت التي أذكر
لا تغضبي من مدحتي إنها … قد وجبت والفضل قد يشكر
ما تجزيء الأقوال من همة … فيها تقضى عمرك الأنضر
حيي الصبا حسناء أمثالها … بسنها في عقلها تنذر
فرع أب ذكراه في قومه … أخلد ذكرى واسمه الأشهر
صورة أم ذات خلق سما … يظهره الفضل وما تظهر
سليلة الآل الكرام الأولى … في كل ناد صيتهم يعطر
برقة الجود استرقوا النهى … والجود من يعطي ومن يستر
بيت عتيق لم تزل في الندى … وفي الهدى آثاره تؤثر
إلى ابن عبد زفها قلبها … والناس بالأعياد تستبشر
موريس من بيت رفيع الذرى … موضعه في الجاه لا ينكر
أبوه عالي الجد سامي الحجا … وأمه الجوزاء أو أزهر
قد صدقت فيه الصفات التي … ببعضها يفخر من يفخر
فاهنأ بمن أوتيت زوجا فما … زوجك إلا الملك الأطهر
عيشا بسعد وانموا واكثرا … فالنسل خير ما زكا العنصر