هوَ الدّهرُ فاصبرْ للذي أحدَثَ الدّهرُ، – ابن زيدون

هوَ الدّهرُ فاصبرْ للذي أحدَثَ الدّهرُ، … فمن شيمِ الأبرارِ، في مثلها، الصّبرُ

ستصبرِ صَبرَ اليأسِ أو صبرَ حِسبَة ٍ، … فلا تؤثرِ الوجْهَ الذي معهُ الوزرُ

حذارَكَ منْ أنْ يعقبَ الرُّزْءُ فتنة ً … يضيقُ لها، عن مثل إيمانِك، العذْرُ

إذا آسَفَ الثُّكْلُ اللّبيبَ، فشَفّهُ، … رأى أفدحَ الثّكلينِ أنْ يهلكَ الأجرُ

مُصَابُ الذي يأسَى بمَيْتِ ثَوابِهِ، … هوَ البرحُ، لا الميتُ الذي أحرزَ القبرُ

حياة ُ الوَرعى نَهجٌ، إلى المَوْتِ، مِهيعٌ، … لهُمْ فيهِ إيضَاعٌ، كمَا يوضعُ السَّفرُ

فيَا هادِيَ المنهاجِ جرْتَ، فإنّمَا … هو الفجرُ يهديكَ الصّراطَ أوِ البَحرُ

غذا الموتُ أضْحى قصرَ كلّ معمّرٍ، … فإنّ سَواءً طالَ أو قَصُرَ العُمْرُ

ألمْ ترَ أنّ الدّينَ ضيمَ ذمارُهُ، … فلَمْ يُغْنِ أنْصارٌ عَديدُهمُ دَثْرُ

بحيْثُ استقَلّ الملْكُ ثانيَ عِطْفِهِ، … وجرّرَ، من أذيالِهِ، العسكرُ المجرُ

هوَ الضّيمُ، لَوْ غيرُ القَضَاء يَرُومُهُ، … ثناهُ المرامُ الصّعبُ والمسلكُ الوعرُ

إذا عَثَرَتْ جُرْدُ العَناجيجِ في القَنا، … بليلٍ عجاجٍ، ليسَ يصدعه فجرُ

أأنفسَ نفسٍ، في الورَى ، أقصد الرّدى ؛ … وَأخضرَ عِلقٍ، للهُدى ، أفقدَ الدُّهرُ؟

أعبّادُ يا أوْفَى الملوكِن لقد عَدا … عَليكَ زَمانٌ، من سجِيّته الغَدْرُ

فَهَلاّ عَداهُ أنّ عَلْيَاكَ حَلْيُهُ؛ … وذكرَك، في أردانِ أيّامِهِ، عطرُ؟

غشيتَ فلمْ تغشَ الطّرادَ سوابحٌ؛ … وَلا جُرّدَتْ بِيضٌ، وَلا أُشرِعتْ سُمرُ

وَلا ثَنَتِ المَحذورَ عَنْكَ جَلالَة ٌ؛ … وَلا غُرَرٌ ثَبْتٌ وَلا نائلٌ غَمْرُ

لئنْ كانَ بطنُ الأرضِ هيّءَ أنسُه … بأنّك ثَاويهِ، لقَدْ أوحَشَ الظّهرُ

لَعَمْرُ البُرُودِ البِيضِ في ذلك الثّرى ، … لقد أُدرِجتْ، أثناءها، النِّعَمُ الخُضرُ

عَلَيكَ، منَ اللَّهِ، السّلامُ تَحيّة ً، … ينسّمُكَ الغفْرانَ ريْحانُها النّضْرُ

وَعاهدَ ذاكَ اللّحدَ عهدُ سَحائبٍ، … إذا استعبرَتْ، في تربِه، ابتسمَ الزّهرُ

ففيهِ علاءٌ لا يُسامَى يَفاعُهُ، … وقَدْرُ شَبَابٍ ليس يَعْدِلُهُ قَدْرُ

وَأبْيَضَ في طَيّ الصّفيحِ، كأنّهُ … صفيحة ُ مأثورٍ طلاقتُهُ الأثْرُ

كأنْ لم تسرْ حمرُ المنايا، تظِلّها، … إلى مهجِ الأقيالِ، راياتُهُ الحمرُ

ولَم يَحمِ، من أنْ يُستَباحَ، حمى الهدى … فلمْ يرضِهِ إلاّ أنِ ارتجعَ الثّغرُ

ولمْ ينتجعْهُ المعتفونَ، فأقبلَتْ … عطايا، كما والى شآبِيبَهُ القَطْرُ

وَلمْ تكتَنِفْ آراءهُ ألمَعِيّة ٌ، … كأنّ نجيّ الغيبِ، في رأيهَا، جهرُ

ولمْ يتشذّرْ للأمورِ، مجلّياً … إليها، كما جَلّى من المَرْقَبِ الصّقرُ

كِلا لَقَبَيْ سُلْطانِه صَحّ فأْلُه، … فبَاكَرَهُ عَضْدٌ وَرَواحَهُ نَصْرِ

إلى أنْ دعاهُ يومُهُ، فأجابَهُ، … وقَد قدَمَ المعروفُ وَاستَمجد الذّخرُ

فأمسَى ثَبِيرٌ، قد تصَدّى لحَمْلهِ … سريرٌ، فلم يَبهَضْهُ من هَضْبه إصرِ

ألا أيّها المَوْلى الوَصولُ عَبيدَهُ، … لقد رابَنا أنْ يَتلُوَ الصّلة َ الهجرُ

نُغاديكَ، داعِينا السّلامُ، كعَهدِنا، … فما يُسمَعُ الدّاعي، وَلا يُرْفعُ السِّترُ

أعتبٌ علينا ذادَ عنْ ذلكَ الرّضَى … فنعتَبَ، أمْ بالمسمَعِ المعتَلي وقرُ؟

أمَا إنّهُ شغْلٌ فراغُكَ بعدَهُ … سينصاتُ إلاّ أنّ موعدَهُ الحشرُ

أأنْساكَ، لمّا ينْأ عهدٌ، ولوْ نأى … سجيسَ اللّيالي لم يرِمْ نفسيَ الذّكرُ

وكيفَ بنسْيانٍ، وقد ملأتْ يدي … جسامُ أيادٍ منكَ، أيْسَرُها الوفْرُ؟

لَئِنْ كنتُ لم أشكرُ لكَ المِنَنَ، التي … تَمَلّيْتُها تَترى ، لأوْبَقَني الكُفْرُ

فَهلْ عَلِمَ الشِّلْوُ المُقَدَّسُ أنني … مُسَوِّغُ حالٍ، ضَلّ في كُنهها الفكْرُ

وَأنّ مَتَابي لمُ يُضِعْهُ مُحمّدٌ، … خَليفتك، العدلُ الرّضَى ، وابنُكَ البَرُّ

هُوَ الظّافِرُ الأعْلَى ، المُؤَيَّدُ، بالذي … له، في الذي ولاّهُ، من صنعِهِ، سرّ

رأى في اختصَاصِي ما رأيتَ، وزادَني … مزِيّة َ زُلْفَى مِنْ نتائِجِها الفخرُ

وأرْغَمَ، في بِرّي، أُنوفَ عِصَابَة ٍ … لِقاؤهُمُ جَهْمٌ، وَلحظُهُمُ شَزْرُ

إذا ما استوى ، في الدَّستِ، عاقدَ حَبوَة ٍ … وقامَ سماطَا حفلِهِ، فليَ الصّدرُ

وفي نفسِهِ العلياء لي متبوّأ، … ينافسُني فيهِ السِّماكانِ والنّسرُ

يُطيلُ العِدا فيّ التّناجيَ خُفْيَة ً، … يقولون: لا تستَفتِ، قد قضيَ الأمرُ

مضَى نَفثُهُمْ، في عُقْدة ِ السّعيِ، ضَلّة ً … فعادَ عَليهِمْ غُمّة ً ذلِكَ السّحرُ

يشبّ مكاني عن توقّي مكانهمْ، … كما شبّ قبلَ اليومِ عن طوْقه عمرُو

لكَ الخيرُ، إنّ الرُّزْء كانَ غيابة ً، … طَلَعْتَ لنا فيها، كما طلعَ البدرُ

فقرّتْ عيونٌ كانَ أسخنَها البُكا؛ … وَقَرّتْ قُلوبٌ كانَ زلزَلها الذّعرُ

وَلوْلاكَ أعْيَا رَأبُنَا ذَلِكَ الثّأى ، … وعزّ، فلمّا ينتعِشْ ذلكَ العثْرُ

ولمّا قدمتَ الجيشَ، بالأمس، أشرَقتْ … إليكَ، منَ الآمالِ، آفاقُها الغبرُ

فقضيتَ مِنْ فرضِ الصّلاة ِ لُبَانَة ً، … مُشَيِّعُها نُسْكٌ، وفارِطُها طُهْرُ

ومن قبلُ ما قدّمتَ مثنى نوافلٍ، … يلاقي بها من صامَ، من عوزٍ، فطرُ

ورُحتَ إلى القَصْرِ، الذي غضّ طرْفَه … بُعيْدَ التّسامي، أنْ غَدا غيرَه القصرُ

فَداما مَعاً في خَيرِ دَهْرٍ، صُرُوفُهُ … حرامٌ عليها أنْ يطورَهُما هجرُ

وَأجْمِلْ، عن الثّاوِي، الغرّاء، فإن ثَوَى … فإنّكَ لا الوَاني وَلا الضَّرعُ الغُمرُ

وما أعطتِ السّبعونَ قبلُ أولي الحِجى … من الإربِ ما أعطَتك عشروكَ والعشرُ

ألستَ الذي، إنْ ضاقَ ذرعٌ بحادثٍ، … تَبَلّجَ منهُ الوَجهُ، واتّسعَ الصّدْرُ

فلا تهضِ الدّنيا جناحَكَ بعدَهُ، … فمنكَ، لمنْ هاضَتْ نوائبُها، جبرُ

ا زِلْتَ مَوْفورَ العديدِ بِقُرْة ٍ … لَعيْنيكَ، مَشدوداً بهمْ ذلك الأزْرُ

فإنّكَ شمسٌ، في سماء رياسَة ٍ، … تطَلّعُ منهمْ، حَولها، أنجمٌ زُهرُ

شكَكْنا فلمْ نثبِتْ، أأيّامُ دهرِنا … بها وسنٌ، أمْ هزّ أعطافَها سكرُ؟

وما إنْ تغشّتْها مغازَلَة ُ الكرى ؛ … وما إنْ تمشّتْ، في مفاصِلِها، خمرُ

سوى نشواتٍ، منْ سجايا مملَّك، … يصدِّقُ، في عليائِها، الخبرَ الخبرُ

أرَى الدّهرَ، إنْ يَبطِشْ فأنتِ يمينُه، … وإنْ تضحكِ الدّنيا، فأنْتَ لهَا ثغرُ

وكمْ سائِلٍ، بالغَيبِ عنك، أجَبتُه: … هُناكَ الأيادي الشّفعُ والسّؤدَدُ الوِترُ

هُناكَ التُّقى وَالعِلمُ والحِلمُ والنُّهَى … وبَذْلُ اللُّها والبأسُ والنّظمُ والنّثرُ

همامٌ، إذا لاقَى المناجزَ ردَّهُ، … وإقْبالُهُ خَطْوٌ، وَإدْبارُهُ حُضْرُ

محاسنُ، ما للرّوضِ، خامرَهُ النّدى ، … رواءٌ، إذا نصّتْ حلاها، ولا نشرُ

متى انتشقتْ لمْ تطرِ دارينُ مسكَها … حياءً، ولمْ يفخَرْ بعنبرِهِ الشِّحْرُ

عطاءٌ ولا منٌّ، وحكمٌ ولا هوى ً، … وحلمٌ ولا عجزٌ، وعزٌّ ولا كبرُ

قدِ استَوْفَتِ النّعماءُ فيكَ تمامَها … علينا، فمنّا الحمدُ للهِ والشّكْرُ