هل للغرائب من حكيم عاقل – ابن شهاب
هل للغرائب من حكيم عاقل … أو عالم يقضي بحكم فاصل
أمن الذئاب المعط صنف ناطق … في صورة البشر السوي الكامل
أأقول كلا والعيان مكذبي … كلا بل المفتي أسير السائل
معط الذئاب الناطقات هم الأولى … جعلوا التصوّف صنعة للداجل
فترسّموا برسومه كي يُحْسَبْوا … صوفية مثل الفضيل الفاضل
يضعون للتمويه والتغرير في … مشكاة نور الحق نار الباطل
لبسوا العبايا والمسابح والحبى … والطيلسان يدار فوق الكاهل
والمظهرين البر والتقوى وادمان … التنسك خدعة للجافل
وإذا خلوا عكفوا على شهواتهم … من لاعب أو شارب أو آكل
هجروا كتاب الله واستغنوا بألحان … السماع ورقصه المتداول
زعما بأن الطار والمزمار والأوتار … تنعش كل قلب ذاهب
أيقوم دين الله بالسفهاء من … ذي مزهر أو زامر أو طابل
بئس الطوائف لا مرام لهم … ولا مرمى سوى جمع الحطام الزائل
ولهم حبائل لاجتلاب المال لم … تدرك غوائلها لغير الفاتل
ويطوف أطراف البلاد دعاتهم … ودهاتهم من كل صل صائل
ممن يبيع ولا يبالي دينه … بيع المزاد ولو بشاة شائل
في كل واد لا تطيش سهامهم … مع كل حاف يحفدون وناعل
ويذيع كلٌ ما افترى من نعت … شيخهم الغوي ولو خرافة هازل
من صومه وصلاته وقيامه … جنح الظلام وزهده في العاجل
يروون عنه خوارقاً للرسل ما … وقعت ولا اتّفقت لساحر بابل
ولأجل نفي الريب مهما حدّثوا … حلفوا لسامع إفكهم والقابل
وهنالك الأستاذُ يجهد فكره … في سلب ثروة كل غرّ غافل
يترقّب الفرص التي فيها … قطيع الصيد يبد مكثباً للنابل
يثني على أهل الثراء مصوباً … أفعالهم مستدرجاً للفاعل
زيد ربيع ندى وعمرو في مقام … كذا وبكر في الرعيل الواصل
ويشير رمزاً في الحديث بأن ما … يحكيه من إلهام غيب نازل
حتى إذا اعتقدوا علو مقامه … ومشت عليهم حيلة المتحائل
غمروه جوداً واستزاروه التماساً … للتبرّك في المقر العائلي
ولمسحه رأس الصغير ووضعه … يده الكريمة فوق بطن الحامل
ومتى تحكم مصلحاً في حالة … جعل البخيل فريسة للباذل
وتراه يصدع بالمواعظ خاطباً … في القوم بهرة كل جمع حافل
يملي زخارف زوره متأوّها … متباكياً ليرق قلب الناكل
طوراً يرغب في الثواب وتارة … أخرى يندد باللئيم الباخل
وإذا رأى في الجمع من أكياسه … مَلأ آمن التبر الوفير الطائل
أوحى إلى أحد الشياطين الأولى … منهم تعوذ كل غول غائل
فيقول يا مسكين زر شيخ الشيوخ … تنل به أقصى أماني الآمل
وإذا أتى ألفاه في المحراب في … جد وشغل بالعبادة شاغل
ويقال بعد الانتظار هنيهة … ادخل فأنت اليوم أسعد داخل
ولك البشارة إن رزقت ولاءه … بالانتشال من الحضيض السافل
إني لرؤيتك ابتهجت ولست أدري … سر هذا الإبتهاج الحاصل
فلعل في لوح السوابق بيننا … سر اتصال بالأواصر واغل
ولعل حالك في أمور الدين والدنيا … على دعة ولطف شامل
إن كنت محتاجاً فخذ ما تبتغي … تقوى به وتقيم ميل المائل
لا تخش إملاقاً عليّ ولا عليك … فنحن في كنف الرسول الكافل
أعلمت أني بعد ختم وظيفتي … سَحَرَاً أعرتني غفوة المتثاقل
فرأيته صلى عليه الله متبسماً … يقول وكان أصدق قائل
أبشر فأنت وتابعوك بذمّتي … ورعايتي لمقيمكم والراحل
نب عن نبيك في مواساة العفاة … المعوزين وفي عِظاة الجاهل
جد بالنوافل ما استطعت على اليتامى … والأيامى والفقير العائل
خذ ما تشاء من امرئ سبقت له … الحسنى ولم يعبا بعذل العاذل
وأنا الضمين لمن يعينك بالغنى … طول الحياة وفي الجنان مخاللي
فيصدق المسكين كاذب قصة … ممزوجة بذعاف سم قاتل
فيشاطر الأستاذ خالص تبره … لسداد ذي عوز ورفد أرامل
ولكم لهم في السر غامض حيلة … إبليس لم يطمع لها بمماثل
ولهم مع الجنس اللطيف لطائف … أبت المروءة شرحها للناقل
لكن على الأزواج عار المرسلات … فهم أشد بلادة من باقل
هذي طرائقهم وهذا شأنهم … تعسا لهم من خائن ومخاتل
أفهكذا كانت طريق مشايخ … الإسلام أرباب السلوك العادل
كالتستري وكالسري وكالجنيد … الحبر والشبلي أو كالشاذلي
كلا وحاشى بل هم عمد الهدى … وسحائب الفيض العميم الهاطل
الزاهدون المتّقون العارفون … بربهم من كل بر عامل
وهم البراء من الأولى كذبوا على … حضراتهم وخصومهم في الآجل
فإليك ربي المشتكى وبك العياذ … من انتقامك والعذاب الهائل
واسمح بإرشاد الجميع إلى طريق … الحق واصفح عن خطايا الخاطل
وتغش بالرحمات روح المصطفى … والمرتضى تعداد طش الوابل
ضاعف صلاتك والسلام عليهما … وبنيهما مَدَدِ الوجود الشامل
والصحب من بسيوفهم ثلث عروش … الشرك واندرست رسوم الباطل
ما تاب ذو خطأ وآب مفرط … وأناب عبد في العتيم الحائل