هل لعاني الهوى من الأسر فاد – عماد الدين الأصبهاني

هل لعاني الهوى من الأسر فاد … أو لساري ليل الصبابة هاد

قوي الشوق فاستقاد دموعي … ووهى الصبر فاستقال فؤادي

جنبوني خطب البعاد فسهل … كل خطب سوى النوى والبعاد

كنت في غفلة من البين حتى … صاح يوم الأثيل بالبين حاد

ناب عنهم غداة بانوا بقلبي … رائح من لواعج الوجد غاد

أيها الصادرون ريا عن الورد … أما تنقعون غلة صاد

لم يكن طيفكم يضن بوصلي … لو سمحتم لناظري بالرقاد

قد حللتم من مهجتي في السويداء … ومن مقلتي محل السواد

وبخلتم من الوصال بإسعافي … أما كنتم من الأجواد

وبعثتم نسيمكم يتلافاني … فعاد النسيم من عوادي

سمتوني تجلدا واشتياقا … ومحال تجمع الأضداد

أبقاء بعد الأحبة يا قلبي … ما هذه شروط الوداد

ذاب قلبي وسال في الدمع لما … دام من نار وجده في اتقاد

ما الدموع التي تحدرها الأشواق … إلا فتائت الأكباد

أين أحبابي الكرام سقى الله … عهود الأحباب صوب العهاد

حبذا ساكنو فؤادي وعهدي … بهم يسكنون سفح الوادي

أتمنى في الشام أهلي ببغداد … وأين الشآم من بغداد

ما اعتياضي عن حبهم يعلم الله … تعالى إلا بحب الجهاد

واشتغالي بخدمة الملك العادل … محمود الكريم الجواد

أنا منه على سرير سروري … راتع العيش في مراد مرادي

قيدتني بالشام منه الأيادي … والأيادي للحر كالأقياد

قد وردت البحر الخضم وخلفت … ملوك الدنيا به كالثماد

هو نعم الملاذ من نائب الدهر … ونعم المعاذ عند المعاد

الغزير الإفضال والفضل والنائل … والعلم والتقى والسداد

باذل في مصالح الدين طوعا … ما حواه من طارف وتلاد

وتراه صعب المقالة في الشر … ولكن في الخير سهل القياد

جل رزء الفرنج فاستبدلوا منه … بلبس الحديد لبس الحداد

فرق الرعب منه في أنفس الكفار … بين الأرواح والأجساد

سطوة زلزلت بسكانها الأرض … وهدت قواعد الأطواد

أخذتهم بالحق رجفة بأس … تركتهم صرعى صروف العوادي

خفضت في قلاعها كل عال … وأعادت قلاعها كالوهاد

أنفذ الله حكمه فهو ماض … مظهر سر غيبه فهو باد

آية آثرت ذوي الشرك بالهلك … وأهل الإيمان بالإرشاد

والأعادي جرى عليهم من التدمير … ما قد جرى على قوم عاد

أشركت في الهلاك بين الفريقين … دعاة الإشراك والإلحاد

ولقد حاربوا القضاء فأمضى … حكمه فيهم بغير جلاد

والإله الرؤوف في الشام عنا … دافع لطفه بلاء البلاد

أنت قطب الدنيا وأصحابك الغر … مقام الأبدال والأوتاد

لم يجد عندك النفاق نفاقا … فلسوق الفساد سوء الكساد

والعنود الكنود ذو الغش غشاه … رداء الردى عناء العناد

وبحق أصيبت الأرض لم … مكنت من مقام أهل الفساد

علمت أنها جنت فغراها … حذرا من سطاك شبه ارتعاد