هذا صبي هائم – جبران خليل جبران
هذا صبي هائم … تحت الظلام هيام حائر
أبلى الشقاء جديده … وتقلمت منه الأظافر
فانظر إلى أسماله … لم يبق منها ما يظاهر
هو لا يريد فراقها … خوف الفوارس والهواجر
لكنها قد فارقته … فراق معذور وعاذر
إني أعد ضلوعه … من تحتها والليل عاكر
أبصرت هيكل عظمه … فذكرت سكان المقابر
فكأنما هو ميت … أحياه عيسى بعد عاذر
قد كاد يهدمه النسيم … وكاد تذروه الأعاصر
وتراه من فرط الهزال … تكاد تثقبه المواطر
عجبا أيفرسه الطوى … في قلب حاضرة الحواضر
وتغوله البؤسى وطرف … رعاية الأطفال ساهر
كم مثله تحت الدجى … أسوان بادي الضر حائر
خزيان يخرج في الظلام … خروج خفاش المغاور
متلفعا جلبابه … مترقبا معروف عابر
يقذي برؤيته فلا … تلوي عليه عين ناظر مطران
لو كان فذا إنما … هو عاثر من ألف عاثر
أنظر إلى اليسرى وكم … تدع الميامن للمياسر
هذي فتاة حالها … أدهى وأفطر للمرائر
هي بضعة لشقية … زلاء ما كانت بعاقر
في مشيها وشحوبها … سيما لتربية العواهر
وارحمتا لصباك يا … شبة الأماليد النواضر
أكذاك يلقى في نجاسات … الموطيء بالأزاهر
فإذا رخصن ألا كرامة … للصغيرات الطواهر
أترى تثنيها ولفته … كل سائرة وسائر
هم يعجبون بلطف ما … تبديه من غنج الفواجر
وكأنهم لا يجزعون … لمثل هذي في الكبائر
وكثيرهم مستهزيء … وقليلهم إن بر زاجر
لا يشعرون بأن تلك … من الفوادح في الخسائر
قعدت شعوب الشرق عن … كسب المحامد والمفاخر
فونت وفي شرع التناحر … من ونى لا شك خاسر
تمشي الشعوب لقصدها … قدما وشعب النيل آخر
كم في الكناية من فتى … ندب وكم في الشام قادر
لكنهم لم يرزقوا … رأيا ولم يردوا المخاطر
هذا يطير مع الخيال … وذاك يرتجل النوادر
جهلوا الحياة وما الحياة … لغير كداح مغامر
يجتاب أجواز القفار … ويمتطي متن الزواخر
لا يستشير سوى العزيمة … في الموارد والمصادر
يرمي وراء الباقيات … بنفسه رمي المقامر
ما هد عزم القادرين … بمصر إلا قول باكر
كم ذا نحيل على غد … وغد مصير اليوم صائر
خوت الديار فلا اختراع … ولا اقتصاد ولا ذخائر
دع ما يجشمها الجمود … وما يجر من الجرائر
في الاقتصاد حياتنا … وبقاؤنا رغم المكابر
تربو به فينا المصانع … والمزارع والمتاجر
يا من شكا حالا نعاني … من عواقبها المخاطر
لا والذي ولاك ناصية … البيان بلا مكابر
لم تعد ما في النفس من … شتى الهواجس والخواطر
أضحي كما أمسي وبي … شغل مغاد أو مساهر
يا ليته الهم الذي … يفديه بالروح المخاطر
لكنه هم بما … يردي الأبي من الصغائر
قد تقتل الحشرات من … هانت عليه فلا يحاذر
ويعيش من رام المنيعة … دونها أجم القساور
دعنا نفرج ما بنا … شيئا بمختلف المناظر
سر بي الدار التي … شيدت على كرم العناصر
حيث المروءة بالفقير … أبر من أدنى الأواصر
ندفع إليها ذينك الطفلين … والله المؤازر
من لي ومن لك يا أخي … بخزائن الذهب العوامر
نأسو بهن خلائقا … دارت عليهن الدوائر
ونشيد ما شاء السخاء … من المعاهد والمنابر
ونقول يا دهر احتكم … ما أنت بعد اليوم جائر
أسراة مصر وقادة الألباب … فيها والضمائر
ردوا عليها صبية … لعب الفساد بهم يقامر
ألقى بهم في مطرح الأزلام … سكير وفاجر
أو فرقوا سلعا وفرقهم … من الفساق تاجر
ما يصبحون غدا وكيف … مصيرهم بين المصاير
من هؤلاء أيرتجي … خير لمصر أولو البصائر
هم في جماعتكم صدوع … فاجبروا والله جابر