في ذمة الله وفي عهده – جبران خليل جبران
في ذمة الله وفي عهده … شبابه الناضر في لحده
سمت به عن موقف عزة … تخرج بالأرشد عن رشده
زانت له حوض الردى زينة … تظمأ بالراوي إلى ورده
لهفي عليه يوم جاش الأسى … به وفاض الحزن عن حده
فطم كالسيل علىص بره … وعالج العزم إلى هده
واكتسح الآمال منثورة … كالورق الساقط عن ورده
ودار في الغور بما كان من … هواه أو شكواه أو وجده
فراح لا يشعر إلا وقد … ألقاه تيار إلى نده
والياس إن فاجأ ذا مرة … دوخ ذا المرة عن قصده
طيف بلا ظل كتوم الخطى … من يعترض مسلكه يرده
منتعل البرق خفي السرى … يصم بالرعدة عن رعده
مهلكه الآساد في نابه … وصرعة الطواد في زنده
كل قوى التشتيت في لينه … وكل بطش البين في شده
يلابس الجسم ويغشى الحشى … ويملأ الهامة من وقده
فالمبتلى في حلم موهن … موه بكل العزم عن صده
حلم هلامي اللظى فاجع … يبلغ منه منتهى جهده
حتى إذا اما امتص منه النهى … في مستطيل الجنح مسوده
أطلقه من حالق ذاهلا … في نيله يهلك أو سنده
مفارقا غر أمانيه … أو موتم الطهار من ولده
واها لمبكي على فضله … مفتقد الآداب في فقده
صيد من الماء ولو أنصفوا … لظل في الماء على وده
يهزه الموج رفيقا به … كما يهز الطفل في مهده
مضى نقي الجسم والبرد لا … في جسمه لوث ولا برده
ما ضرجت بالدم أثوابه … ولا رى الصادع من زنده
مبتردا بالماء في نفسه … شغل عن الماء وعن بدره
مات مرجى في اقتبال الصبا … يا خيبة الدنيا ومل تفده
طلقها زلاء لم ترع ما … آثر أن ترعاه من عهده
ولم يفارق بمناءاتها … سوى أذاها وسى سهده
ما كان أدنى العيش عن رأيه … واضيق الأرض على جهده
وكان أوفاه لمحبوه … لولا انحطاط العمر عن قصده
فرب رسم بات في جيبه … وعن ذاك الرسم في كبده
أقالك الحق فما عاثر … من كانت العثرة في جده
من ذل فليولك من عذره … أو عز فليولك من حمده
سقاك دمعي نضحه صنتها … إلا عن الوافي وعن وده