نَفَى همُّ شيبي سرورَ الشبابِ – عبدالجبار بن حمديس
نَفَى همُّ شيبي سرورَ الشبابِ … لقد أظلمَ الشيبُ لمّا أضاءَ
قضيتُ لظلَ الصبا بالزوال … لمّا تحوّلَ عنِّي وفاءَ
أتعرفُ لي عن شبابي سُلُوّا … ومَن يجدِ الداءِ يبغٍ الدواءَ
أأكسو المشيبَ سوادَ الخضابِ … فأجعلَ للصبح ليلاً غطاء
وكيفَ أُرَجِّي وفاءَ الخضاب … إذا لم أجِدْ لشبابي وفاءَ
وريحٍ خفيفة ِ رَوْحِ النسيمِ … أطّتْ بليلاً وهبّت رُخاء
سرت وحياها شقيق الحياة ِ … على ميِّتِ الأرضِ تُبْكِي السماءَ
فمن صَوْتِ رَعْدٍ يسوق السحابَ … كما يسمعُ الفحلُ شولاً رغاء
وتُشْعلِ في جانبيها البروقُ … بريقِ السيوف تُهزّ انتضاء
فبتّ من الليل في ظلمة ٍ … فيا غُرّة َ الصبح هاتي الضياءَ
ويا ريحُ إمّا مريتِ الحيا … وروّيْتِ منه الربوعَ الظماءَ
فسوقِي إليّ جهامَ السحابِ … لأملاهنّ من الدمع ماء
ويسقي بكائي ربع الصبا … فما زالَ في المحل يسقى البكاء
ولا تُعطِشي طللاً بالحمى … تداني على مُزْنَة ٍ أو تناءى
وإن تَجْهَلِيه فَعِيدانُهُ … لبستُ النّعِيم بها لا الشقاءَ
… يطيّب طيبُ ثراها الهواء
ولي بينها مهجة ٌ صبّة ٌ … تزودتُ في الجسم منها ذماءَ
ديارٌ تمشّتْ إليها الخطوبُ … كما تتمشى الذئابُ الضراء
صحبتُ بها في الغياض الأسود … وزرتُ بها في الكناس الظباء
وراءك يا بحرُ لي جَنّة ٌ … ليس النّعيم بها لا الشقاء
إذا أنا حاولت منها صباحاً … تعرضتَ من دونها لي مساء
فلو أنّني كنتُ أعطي المنى … إذا مَنَعَ البحرُ منها اللِّقَاءَ
ركبتُ الهلالَ به زورقاً … إلى أن أعانقَ فيها ذُكاء