نَزَلنا بِبابِ الكَرخِ أَفضَلَ مَنزِلِ – علي بن الجهم
نَزَلنا بِبابِ الكَرخِ أَفضَلَ مَنزِلِ … عَلى مُحسِناتٍ مِن قِيانِ المُفَضَّلِ
فَلابنِ سُرَيجٍ وَالغَريضِ وَمَعبَدٍ … وَدائِعُ في آذانِنا لَم تُبَدَّلِ
أَوانِسُ ما فيهِنَّ لِلضَّيفِ حِشمَةٌ … وَلا رَبُّهُنَّ بِالمَهيبِ المُبَجَّلِ
يُسَرُّ إِذا ما الضَيفُ قَلَّ حَياؤُهُ … وَيَغفُلُ عَنهُ وَهُوَ غَيرُ مَغَفَّلِ
وَيُكثِرُ مِن ذَمِّ الوَقارِ وَأَهلِهِ … إِذا الضَيفُ لِم يَأنَس وَلَم يَتَبَذَّلِ
وَلا يَدفَعُ الأَيدي السَفيهَةَ غَيرَةً … إِذا نالَ حَظّاً مِن لَبوسٍ وَمَأكَلِ
وَيُطرِقُ إِطراقَ الشُجاعِ مَهابَةً … لِيُطلِقَ طَرفَ الناظِرِ المُتَأَمِّلِ
فَأَعمِل يَداً في بَيتِهِ وَتَبَذَّلَن … وَإِيّاكَ وَالمَولى وَما شِئتَ فَاِفعَلِ
أَشِر بِيَدٍ وَاِغمِز بِطَرفٍ وَلا تَخَف … رَقيباً إِذا ما كُنتَ غَيرَ مُبَخَّلِ
وَأَعرِض عِنِ المِصباحِ وَالهَج بِذَمِّهِ … فَإِن خَمَدَ المِصباحُ فَاِدنُ وَقَبِّلِ
وَسَل غَيرَ مَمنوعٍ وَقُل غَيرَ مُسكَتٍ … وَنَم غَيرَ مَذعورٍ وَقُم غَيرَ مُعجَلِ
لَكَ البَيتُ ما دامَت هَداياكَ جَمَّةً … وَدُمتَ مَلِيّاً بِالشَرابِ المُعَسَّلِ
تُصانُ لَكَ الأَبصارُ عَن كُلِّ مَنظَرٍ … وَيُصغى إِلَيكَ بِالحَديثِ المُفَصَّلِ
فَبادِر بِأَيّامِ الشَبابِ فَإِنَّها … تَفوتُ وَتَفنى وَالغَوايَةَ تَنجَلي
وَدَع عَنكَ قَولَ الناسِ أَتلَفَ مالَهُ … فُلانٌ فَأَمسى مُدبِراً غَيرَ مُقبِلِ
هَلِ العَيشُ إِلّا لَيلَةٌ طَرَحَت بِنا … أَواخِرُها في يَومِ لَهوٍ مُعَجَّلِ
سَقى اللَهُ بابَ الكَرخِ مِن مُتَنَزَّهٍ … إِلى قَصرِ وَضّاحٍ فَبِركَةِ زَلزَلِ
مَساحِبُ أَذيالِ القِيانِ وَمَسرَحُ ال … حِسانِ وَمَأوى كُلِّ خِرقٍ مُعَذَّلِ
مَنازِلُ لا يَستَتبِعُ الغَيثَ أَهلُها … وَلا أَوجُهُ اللَذّاتِ عَنّا بِمَعزِلِ
مَنازِلُ لَو أَنَّ اِمرَأَ القَيسِ حَلَّها … لَأَقصَرَ عَن ذِكرِ الدَخولِ فَحَومَلِ
إِذاً لَرَآني أَمنَحُ الوُدَّ شادِناً … مُشَمِّرَ أَذيالِ القَبا غَيرَ مُرسِلِ
إِذا اللَيلُ أَدنى مَضجَعي مِنهُ لَم يَقُل … عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِ فَاِنزِلِ