نأمّل أبا عبد الإله فإنه – ابن الرومي

نأمّل أبا عبد الإله فإنه … هو ابنُ فرات شمسُ من يتأمّلُ

علتْ وأضاءتْ للعيونِ وربّما … غدا كلُّ طرْفٍ وهْو عنها مُفَلّل

فلا تكن المطروفَ عنها وصادها … تُضيء لك والإجمالُ بالمرء أجمل

أبو حسن ذو الحسنِ والخيرِ منظرا … ومُختبراً أعلى وأسنى وأجْملُ

فما ذنبه في ذاك إن كان ربّه … قضى أنه أعلى وذو الرغم أسفلُ

ولو لم يقلد فيه غيرُ وزيرهِ … وغيرُ ابنه وهو المرَّجى المؤمَّلُ

ورأيها ما لا يُفيَّل مثله … إذا أخطأ التوفيقَ رأيٌ مُفيَّلُ

إذاً لاعدمتَ الشكَّ والريبَ كلّهُ … فكيفَ ومصباحُ الفراتيّ مُشعَلُ

وفيه لعيني ناظرٍ متوسَّمٌ … شهودٌ وأعلامٌ من الفضلِ مُثّلُ

وفي ذاك ماجلّى عماية َ عامه … وقشّعها لكن ليلكَ أَلْيلُ

ولو كان ليلاً واحداً زال ظلُّه … ولكنه ليلٌ بليلٍ مُجلَّلُ

دجا ليلُ نحسٍ في سرارٍ وأطبقتْ … عليه السواري فهو أسود أطول

ومازلتَ ذا ظلمٍ قديمٍ وظلمة ٍ … من الجهلِ تخفى عنك أنك تجهلُ

فلا تجرحنّ القولَ فيك فإنه … وإن لم يكن عدلاً عليك مُعدّلُ

وحسبُك جهلاً أن سعيت مشمّراً … لتجتثَّ أصلا تحته تتظلّلُ

سعيتَ بمن أحياك من بعد ميتة ٍ … وأدّى وفاءً ماوفاه السّموأل

وفي بغيك البادي عليك شهادة ٌ … بأنك مطروقُ الدماغِ مُخبّلُ

ولم أرَ ما تعتدُّه من ذنوبهِ … سوى أن أبى تبديلَ ما لا يبدّلُ

أكلفتَه هضمَ الخراجِ وحَطْمه … لك الفيءُ عدواناً وأنت مؤمَّل

فلما أبى قلتَ القبيحَ ولم تزل … تُبخّل ذا الإنصافِ قِدماً وتبخلُ

وقال فقال الحق دافع لومه … ببيّنة ٍ إذْ لم تزلْ تتقوّلُ

وكم حاجة ٍ مقرونة ٍ بخيانة ٍ … أباها وإن سيىء امرؤ متذللُ

وكم حاجة ٍ مستحسنٍ حملُ ثقلها … تحمّلَ منها فوق ما يُتحمّل

وليس على مال الخليفة ِ محملٌ … لبُطلٍ وفيه للحقائق محملُ

أمينٌ على مال الملوك كأنه … حِذاراً ونصحاً حية ٌ يتقلْقَل

ينالُ بكُنهِ اللوم كلَّ مخفَّف … عن الناس والسلطانُ بالحقّ مثقَلُ

يبيتُ إلى أن يجمع الفيءَ كلَّه … أخا فِكَرٍ مما به يتململُ

وهل حقُّ سلطانٍ يطالبُ أهله … أبو القاسم المحتاطُ إلا محصّلُ

ومن عتبك الغثِ الذي قد عتبته … على ابن فرات موضعٌ ليسَ يَعقل

فما صُنعُ عبدٍ في قضاء مليكهِ … وتقديرهِ وهْو المدينُ المحوَّل

ولابِدْعٌ أن ضمّ الوزيرُ كُفاته … إليه وألغى اللغو والرَّذْلُ يُرذل

رآك وقوماً أشبهوكَ نفاية ً … إماطتُها عند الأماثل أمثلُ

وهل ساقطٌ وافتْهُ دولة ُ حكمه … وحفظٌ على السلطان إلا مُبَّطلُ

وهل وثنٌ بعد النبي محمد … وبعد كتاب الله إلا مُعطّلُ

فلا تُلحمنّ الشعر عِرضك إنه … حريقُ هجاء نارهُ تتأكّلُ

ولاتُهدفِ الإقْذاع سمعَك إنه … وجدّك لاتُبلى عليك المفضّلُ

وقد قُرعت من ذي أناملك العصا … وإن راب ريبٌ بعدها سُلَّ معولُ

وإن أنت لم تردَعك رادعة النُّهى … فعنديَ مشحوذ الغِراريين مقصلُ

وإني لذو نظمٍ ونثرٍ كأنني … بحدّيهما رمحٌ مزجٌّ منصّلُ

وإن رمتَ من يُعنى به الحقّ والهوى … فإنك مخسوفٌ به أو مزلزلُ

فلا تلحينّي إن لحيتك إنني … بنُصرة ِ إخوان الصفاء موكل

تنمرتُ للأعداء من دون صاحبي … وحاميتُ عن تاجٍ به أتجمّلُ

أبيْتُ فلا يُرعَى حماه بحضرتي … ولا لحمُه ماعشتُ باللحم يؤكل

وهبْتُ له طوعاً حفاظي وإنه … لأوْهبُ مني للحفاظ وأبذلُ

وإني ليحميه لساني وإنه … لأقْول مني في الخطوبِ وأفعلُ

وماحمسي من دونه أن رأيتني … وإياه في الهيجاء أمضي وينكُل

ولكنه فرضٌ يؤدَّى إلى العلا … ونافلة من بعده تُتنفّلُ