مَنْ قصَّ شعرَها الطويل؟ – عدنان الصائغ

كانتْ لي في طفولتي دميةٌ

سرقوها قبل أنْ تتعلّمَ النطقَ

وتلعبَ معي

وكان لي في صباي حقلٌ ذهبيٌّ من سَنَابِل

قطعوا عنه ماءَ النهرِ

وحبسوا الغيمَ

فاستعنتُ بدموعي

قالوا لي: لا تبكِ… الرجالُ لا يبكون

فماتتِ السَنَابِلُ

وتفتّتتْ حبَّاتُ القمحِ على بياضِ دفاتري

قبلَ أنْ تنضجَ

فعوّضوني عنها بكتبِ الجغرافيا المدرسيَّةِ

وصورِ الحقولِ

وعندما كَبِرتُ

أصبحتْ لي حبيبةُ بشَعرٍ طويلٍ وشرائط بيضٍ

لكنَّهم قصّوا ضَفائِرها قبل أنْ تكتملَ قصيدتي

وشنقوا بشرائطها فرحي الصغيرَ

وها أنا الآن

أُحِسُّ بالغُصَّةِ كلّما مَرَرْتُ

أمامَ محلّاتِ الألعابِ

والضَفائرِ الطويلةِ

وحقولِ القمحِ

كان لي حُلْمٌ صغيرٌ

ببيتٍ صغيرٍ، ومكتبةٍ، وشُرفةٍ تظلّلها أوراقُ البرتقالِ والأملُ

فالتهمهُ المُؤَجِّرُ الشرهُ

ها هو كرشُهُ يزدادُ كلَّ يومٍ…

وها هو نحولي يزدادُ كلَّ يومٍ…

كان لي أبٌ

سرقهُ سريرُ المستشفى

فلمْ أعدْ أتذكَّرُ من ملامحهِ

سوى برودِ الطبيباتِ

وهنَّ يتحدّثنَ لطفولتي عن رئتيهِ

اللتين نخرهما السلُّ والفقْرُ

بعد عشرين عاماً

أدركتُ لماذا كنَّ يتحدّثنَ ببرودٍ

كان لي رصيفٌ للتسكّعِ

وآخر للحبِّ…

وآخر للبحثِ عن عملٍ

أصبح لي رصيفٌ وحيدٌ، ضيِّقٌ

يمتدُّ بي كلَّ يومٍ من البيتِ إلى الوظيفةِ

كانتْ لي غيمةٌ ماطرةٌ

تسمّى القصيدة

عندما لمْ تجدْ أرضاً تؤويها

هاجرتْ

وتركتني وحيداً

على عراءِ النثرِ