مَطِيّتيَ الوَقتُ، الذي ما امتَطَيتُهُ – أبوالعلاء المعري

مَطِيّتيَ الوَقتُ، الذي ما امتَطَيتُهُ … بوِدّي، ولكنّ المُهَيمِنَ أمطاني

وما أحَدٌ مُعطِيَّ، واللَّهُ حارِمي، … ولا حارِمي شَيئاً، إذا هوَ أعطاني

هما الفَتيانِ استَوْلَيا بتَعاقبٍ، … وما لهما لُبٌّ، فكيفَ يَشطّانِ؟

إذا مَضَيا لم يَرجِعا، وتَلاهما … نَظيرانِ، بالمُستَودِعاتِ، يُلِطّان

وكلَّ غنيٍّ يسلبانِ من الغِنى، … وكلَّ كميٍّ، عن جَوادٍ، يحطّان

وكم نَزَلا في مَهمَه، وتحَمّلا، … بغيرِ حَسيسٍ، عن جِبالٍ وغِيطان

وما حَمَلا رَحلَينِ، طوراً، فيؤنِسا، … إذا حفزَ الوَشكُ الرّحالَ يَئِطّان

ويَبترِيانِ العَظمَ والنَّحضَ، ذائباً … ليَنتَقياهُ، والأديمَ يَعِطّان

وقد خطرا فحلينِ، لو زالَ عنهما … غِطاءٌ، لكانا بالوَعيدِ يَغِطّان

وما برِحا، والصّمتُ من شيمَتَيهِما، … يقُصّانِ فينا عِبرَةً، أو يَخُطّان

وقد شهَرا سَيفَينِ في كلّ مَعشرٍ، … يُقدّانِ ما همّا به، أو يقُطّان

لَغيرُكَ بالقُرطانِ أوْلى منَ ان يَرى، … وشنفانِ في الأُذنينِ منه، وقُرطان

تريدُ مَقاماً دائماً، ومَسرّةً … بدارِ همومٍ، لم تكن دارَ قُطّان

وما زالَ شَرْطٌ، يُفسِدُ البيعَ، واحدٌ، … فَما بالُهُ لمّا تَظاهَرَ شَرطانِ؟

لقد خدَعَتني أُمُّ دَفْرٍ، وأصبَحَتْ … مؤيَّدَةً، من أُمّ ليلى، بسُلطان

إذا أخذَتْ قِسطاً من العَقلِ هذهِ، … فتلكَ لها في ضِلّةِ المرءِ قِسطان

دعاوى أُناسٍ توجِبُ الشكَّ فيهِمُ، … وأخطأني غَيثُ الحِجى، وتخَطّاني

ألمْ تَرَ أعشَى هُوذَةَ اهتاجَ، يدّعي … معونتَهُ، عندَ المَقالِ، بشَيْطان؟

يُرادُ بنا المَجدُ الرّفيعُ بزَعمِنا، … ونَختارُ لَبثاً في وبيلةِ أوطان

كأنّا غروبٌ مكْرَهاتٌ على العُلى، … تُمَدّ إلى أعلى الرّكيّ بأشْطان

وما العَيشُ إلاّ لُجّةٌ ذاتُ غمرَةٍ، … لها مَولِدُ الإنسانِ والموتُ شطّان

فأحسِنْ بدنياكَ المسيئةِ، إذْ بدَتْ، … عليها وِشاحٌ من نجومٍ وسِمطان

وكم واسعِ الأعطانِ تجزَعُ نفسُه، … ورحبِ فؤادٍ آلفٍ ضِيقَ أعطان

ومَن لي بجُونٍ عندَ كُدْرٍ بقَفرَةٍ، … كأنّهما من آلِ يَعقُوبَ سِبطان

يُجَرُّ بها المِرْطانِ من يمنيّةٍ، … على كلّ غبراءِ الأفاحيصِ مِرطان

تخالُ بها مَسعًى من الصِّلّ مُسقَطاً … من السوط، والعينان في الجنح سِقطان

إذا ما انجَلى خَيطُ الصّباحِ تَبيّنَتْ … حبالُ رمالٍ، ذاتُ عُفْرٍ وخِيطان