من ليالي الغربة – فاروق جويدة

الليلة أجلس يا قلبي خلف الأبواب

أتأمل وجهي كالأغراب

يتلون وجهي لا أدري

هل ألمح وجهي أم هذا.. وجه كذاب

مدفأتي تنكر ماضينا

والدفء سراب

تيار النور يحاورني

يهرب من عيني أحيانا

ويعود يدغدغ أعصابي

والخوف عذاب

أشعر ببرودة أيامي

مرآتي تعكس ألوانا

لون يتعثر في ألوان

والليل طويل والأحزان

وقفت تتثاءب في ملل

وتدور وتضحك في وجهي

وتقهقه تعلو ضحكاتها بين الجدران

الصمت العاصف يحملني خلف الأبواب

فأرى الأيام بلا معنى

وأرى الأشياء.. بلا أسباب

خوف وضياع في الطرقات

ما أسوأ أن تبقى حيا..

والأرض بقايا أموات

الليل يحاصر أيامي..

ويعود ويعبث في الحجرات..

فالليلة ما زلت وحيدا

أتسكع في صمتي حينا

تحملني الذكرى للنسيان

أنتشل الحاضر في ملل

أتذكر وجه الأرض.. ولون الناس

هموم الوحدة.. والسجان

سأموت وحيدا

قالت عرافة قريتنا ستموت وحيدا

قد أشعل يوما مدفأتي

فتثور النار.. وتحرقني

قد أفتح شباكي خوفا

فيجيء ظلام يغرقني

قد أفتح بابي مهموما

كي يدخل لصا يخنقني

أو يدخل حارس قريتنا

يحمل أحكاما وقضايا

يخطئ في فهم الأحكام

يطلق في صدري النيران

فيعود يلملم أشلائي

ويظل يصيح على قبري

أخطأت وربي في العنوان

الليلة أجلس يا قلبي.. والضوء شحيح

وستائر بيتي أوراق مزقها الريح

الشاشة ضوء وظلال و الوجه قبيح

الخوف يكبل أجفاني فيضيع النوم

والبرد يزلزل أعماقي مثل البركان

أفتح شباكي في صمت..

يتسلل خوفي يغلقه

فأرى الأشباح في كل مكان

أتناثر وحدي في الأركان

الليلة عدنا أغرابا والعمر شتاء

فالشمس توارت في سأم

والبدر يجيء بغير ضياء..

أعرف عينيك وإن صرنا بعض الأشلاء

طالت أيامي أم قصرت فالأمر سواء

قد جئت وحيدا للدنيا

وسأرحل مثل الغرباء

قد أخطئ فهم الأشياء

لكني أعرف عينيك

في الحزن سأعرف عينيك

في الخوف سأعرف عينيك

في الموت سأعرف عينيك

عيناك تدور فأرصدها بين الأطياف

أحمل أيامك في صدري

بين الأنقاض.. وحين أخاف

أنثرها سطرا.. فسطورا

أرسمها زمنا.. أزمانا

قد يقسو الموج فيلقيني فوق المجداف

قد يغدو العمر بلا ضوء ويصير البحر بلا أصداف

لكني أحمل عينيك..

قالت عرافة قريتنا

أبحر ما شئت بعينيها لا تخشى الموت

تعويذة عمري عيناك

يتسلل عطرك خلف الباب

أشعر بيديك على صدري

ألمح عينيك على وجهي

أنفاسك تحضن أنفاسي والليل ظلام

الدفء يحاصر مدفأتي وتدور الناي

أغلق شباكي في صمت.. وأعود أنام