من عذيري والدمع جارس خين – جبران خليل جبران
من عذيري والدمع جارس خين … إن جرح النوى لجرح ثخين
فقد خير الصحاب أودى بصبري … واراني التبريح كيف يكون
يا حبيبا عليه ضم فؤادي … وفؤادي بمن يحب ضنين
كيف فارقته ولم يتفطر … جزعا ذلك المصاب الحزين
لا وحق الذي آماتك تحيا … ولك الحب فيه والتمكين
ويرى صحبك الأولى بنت عنهم … روحك الحي في حلى لا تبين
إن بالشرق بعد سركيس شجوا … شرقت بالدمءا منه الجفون
فل من غرب مصر أن يتوى ل … خلها البر والولي المين
دميت مهجة الآم وسالت … بالصفا في لبنان منه العيون
لمريدي سركيس في آخر المعمور … نوح مردد وأنين
كل قطر للعرب فيه مقام … أو مقال له به تأبين
وبأغلى فريده وحلاه … جاد في مدحه اللسان المبين
ذاك احقه على ناطقي الضاد … ومن بالوفاء منهم يدين
عجب أن خبا الشهاب وأن أعقب … ذاك الحراك هذا السكون
كان ملء الحياة فهي وقد ولى … فراغ تحس فيه المنون
أوقع الذعر حينه في نفوس … خلن من ذاك عزمه لا يحين
يا فخار البيان ماذا دهاه … فهو اليوم خاشع مستكين
يتلقى الخطوب غير أبي … وعلى نفسه يكاد يهون
كيف ينسى سنين أعززت فيها … شأنه فوق ما تعز الشؤون
إذ أثرت الحرب العوان على البغي … وكل له عليك معين
فترامى بحرا وبرا بك لانفي … ووراتك بالحجاب السجون
وبلوت الشقاء من كل لون … ما به رحمة وما بك لين
شد في السرة التي ست ما عانيت … مما ترتاع منه الظنون
محن تنسف العزائم في الأبطال … نسفا لو أنهن حصون
إنما صانك الثبات على رأي … تفديه والثبات يصون
وصحيح اليقين لو صلى النار … عذابا ما اعتل منه اليقين
ذاك درس ألقيته وسيبقى … عظة الناس ما تمر القرون
كم فتى فيك يا حميد السجايا … فقد البأس والندى والدين
كنت شملا من الصفات جميعا … فتوليت تلك الصفات العيون
فقد الفاقدوك حرا صريحا … مال في طباعه تلوين
وخدينا على اختلاف الليالي … لا يجاريه في الولاء خدين
وصديقا في وده لا يداجي … وصدوقا بعهده لا يمين
يورد النادرات أظرف غيراد … ويعدو اخفهن المجون
وأديبا إذا تقضت فنون … من إجاته تلتها فنون
يؤثر السهل في الكلام واللجزل … متى تدعه البلاغة حين
تطفر البادرات من نبعه العذب … وفي المستقر فكر رصين
ظاهر القول قد يرى نزقا والرأي … في غوره البعيد رزين
هو للناظرين نور مبين … وهو للواردين ماء معين
ما تراني معددا من صفات … كلها يكرم الفتى ويزين
كان سركيس في الصحافة إن قامت … صعاب يروضها فتهون
كل يوم يأتي بسحر حلال … قد حلا فيه للعقول الفتون
فهوى إذ هوى شهاب منير … من بنيها وانهد ركن ركين
ضم من شملهم اساهم عليه … وغلى الرشد يرجع المحزون
فلنحي النقابة اليوم قامت … ولها عند قبره تكوين
كان سركيس عالي النفس لا يشكو … ويشكي ما اسطاع من يستعين
كان سركيس يمنح العذر إلا … من أتى باغيا أمورا تشين
كان إن تدعه المروءة لباها … ومسعاه بالنجاح ضمين
كان سمحا يجني القليل ولكن … فيه فضل يصيبه المسكين
لا يبالي شح السحاب عليه … وعلى غيره السحاب هتون
كان في أهله وهم خير أهل … نعم رب الحمى وننعم القرين
لهم من هداه نجم مضيء … ولهم من نداه كنز ثمين
عاد حب البنين في ذلك المرشد … للعالمين وهو جنون
إن تواروا في دارة الدار عنه … جد شوق به ولج حنين
أي عذب الخطاب حلو المعاني … رزئته أسماعهم والعيون
كيف يسلونه وفي كل أفق … لحديث عنه صدى ورنين
غيه سركيس إن بكينا فإن الباقي … الحزن والسرور الظعين
لا على الذاهبين لكن علينا … حين يمضون تستدر الشؤون
مصر قامت حيالك اليوم ترثيك … وفي قلبها عليك لشجون
كنت بالروح تفتديها وما من … يفتديها بروحه مغبون
لم يضع راحل وفي نفس كل … م بنيها له قرار مكين