مقطعان – عدنان الصائغ

مقطعان

من حياة الشهيد فاضل النجفي( )

.

.

(1)

زعل..

أما زلتَ زعلانَ… يا صاحبي؟

ومن قبل عشرين.. مرَّتْ

كومضِ السجائرِ

لمْ تَنْطَفِىءْ حسرةٌ خلَّفَتها ضَفيرتها العابثةْ

أما زلتَ زعلانَ من صدفةٍ؟

فلتتْ من يديكَ – كبعضِ مواعيدها –

وبين الحَشَا والرصاصةِ

هذي البلادُ التي تَسَعُ الحُلْمَ

هذي المسافاتُ حيثُ يلمُّ البنفسجُ أحزانَهُ

قربَ شُبّاكِ فاتنتي

أما زلتَ طولَ الطريقِ لبستانِ عبد الحميد

تلملمُ بعضَ الحصى

وتراهنُ صَحْبَكَ..

أيُّ الطيورِ ستفلتُ من “گزوةٍ” صنعتها يداكَ..

أيُّ البناتِ ستفلتُ من نظرةٍ كسّرتها الهمومُ البليلةُ

أيُّ القصائدِ تفلتُ من شَرَكِ القلبِ… يا صاحبي

وبين التي سكنتْ أضلعي

والقصيدةِ

هذي البلادُ

فهل عذَّبتكَ مواعيدُها؟

وهل لوَّعتكَ البلادُ الحبيبةُ… قلْ لي؟

ولمْ تَكُ تملكُ غيرَ الكراريس، بيتاً ظليلاً على ضفَّةِ النهرِ

يَسكُنُهُ الحُلْمُ والشمعةُ العاشقةْ

وخلفَ النوافذِ تسرحُ عيناكَ

حيثُ المروجُ النديَّةُ، والصبيةُ العابثون

ووحدكَ كنتَ بمنعطفِ الدربِ

مرتقباً خطوَها

يستفزُّ سنينَكَ

يُشعِلُ في غابةِ الروحِ أحطابَها اليابسةْ

أتذكُرُ…؟ كنتَ المشاكسَ

ترمي الصبيَّاتِ بالوردِ

ثم تُغنِّي على الجسرِ منتشياً:

“عَمّي يا بياع الورد”

گلي الوردْ.. بيش؟..”

فمَنْ يشتري الوردَ.. يا صاحبي

في الزمانِ الرديء؟؟

أتذكُرُ..؟

كنتَ تموتُ إذا خاصمتكَ الحبيبةُ يوماً

تقطّعُ رجليكَ مشياً بحارتهم..

أم تُرى سوف تجلسُ في البارِ وحدكَ

تحسو همومَ الزمانِ

وتَحْلُمُ في شَعرِها المتناثرِ عبر المحطّاتِ

عَبْرَ السواترِ

عبرَ العذاباتِ

عبرَ الفيافي

وتدري بأنَّ الحبيبةَ يحلو لها الزعلُ المرُّ

لكنَّكَ الآنَ في الساترِ {المترمّلِ، ملقىً وحيداً،

بدون حَراك}

زعلانَ من طلقةٍ

خيّبتْ ظَنَّكَ..

حين تلاشتْ دون وميضْ

22/8/1983 بغداد

(2)

مواويل..

ناحلاً..

كان ينسابُ بين الأزِقَّةِ

مُتَّشِحاً بالصباباتِ

وَقْعُ خطاهُ – تقولُ الفتاةُ الخجولةُ –

قد أَسَّرَتْ قلبَها

واستباحتْ مواويلَها

لمْ يكنْ يلتفتْ

حينَ يعبُرُ شُبّاكَها

ساهماً..

هائماً..

غير أنَّ على بابها

اكتشفتْ

– ذاتَ صبحٍ بهيٍّ –

زهوراً من الياسمين..

وبعضَ طيورٍ… تُغنِّي

قِيلَ إنَّ الرصاصةَ مرَّتْ كومضٍ

وكانَ يُغنِّي على الساترِ المُتقدِّمِ.. موّالَهُ

“آه.. يا ليل..

آه.. يا عين..

“الضَعَن سار بليل

دوب أسمع الويدْ

هاك أخذ روحي وياك

يا لرايح بعيدْ…”

ليتَ أنَّ المواويلَ.. يا فاضل النجفي

لا يُقَاطِعُها – في هدوءِ المساءِ المخَيَّمِ –

زخُّ الرصاصِ

وليتَ المواويلَ… تَطْرُقُ في الليلِ

شُبّاكَ فاتنتي

وتحدّثها عن هواي..

وما يشتهي القلبُ، هذا المحاصرُ بالموتِ والشوقِ

ليتَ الرصاصةَ…

مرَّتْ كومضٍ

ولمْ تَنْطَفِ… بين أضلاعهِ

والبلادِ الحبيبةِ…

والمشتهى…

حيثُ موّالُهُ..

بعدُ.. لمْ يَنْطَفِ

15/7/1983 بغداد