معالي العهدِ قمتَ بها فطيما – أحمد شوقي

معالي العهدِ قمتَ بها فطيما … وكانَ إليكَ مرجعها قديما

تنقَّلْ من يدٍ ليدٍ كريما … كروحِ الله إذ خلفَ الكليما

تَنَحَّى لابنِ مريمَ حينَ جاءَ … وخلَّى النَّجْمُ لِلقَمَرِ الفَضاءَ

ضِياءٌ لِلعيون تَلا ضِياءَ … يَفيضُ مَيامِناً، وهدى ً عَميما

كذا أنتم بني البيتِ الكريمِ … وهل مُتَجَزِّىء ٌ ضوْءُ النُّجوم؟

وأَين الشُّهْبُ من شرفٍ صَميمِ … تألقَ عقدهُ بكمو نظيما؟

أرى مستقبلاً يبدو عجابا … وعنواناً يكنُّ لنا كتابا

وكان محمدٌ أملاً شهابا … وكان اليأسُ شيطاناً رجيما

وأَشرقتِ الهياكِلُ والمباني … كما كانت وأزينَ في الزمانِ

وأصبحَ ما تكنُّ من المعاني … على الآفاق مسطوراً رقيما

سألتُ، فقيل له: وضعتهُ طفلا … وهذا عِيدُهُ في مِصْرَ يُجْلَى

… في انتفاضٍ كانتفاضِ البلبل

فقلت: كذلِكم آنَسْتُ قَبْلا … فأَما أَنتَ يا نجلَ المعالي

يمنتزهِ الإمارة ِ هلَّ فجرا … هلالاً في منازله أغرَّا

فباتت مِصرُ حوْلَ المهدِ ثغرا … وباتَ الثغر للدنيا نديما

لجيلكَ في عدٍ جيلِ المعالي … وشعبِ المجدِ والهممِ العوالي

… أَزُفُّ نوابغَ الكَلِمِ الغَوالي … وأُهدِي حكمتي الشَّعْبَ الحكيما

إذا أَقبلتَ يا زمن البنينا … وشَبُّوا فيك واجتازوا السنينا

فدُرْ مِنْ بَعدِنا لهُم يَمينا … وكن لوُرودِك الماءَ الحميما

ويا جيلَ الأميرِ، إذا نشأتا … وشاءً الجدُّ أن تعطى ، وشئتا

فخذ سُبُلاً إلى العلياء شَتَّى … وخلِّ دليلكَ الدينَ القويما

وضِنَّ به، فإن الخير فيه … وخُذْهُ من الكتابِ وما يَليهِ

ولا تأخُذْهُ من شَفَتَيْ فقيهِ … ولا تهجرْ مع الدين العلوما

وثقْ بالنفسِ في كلِّ الشئونِ … وكن مما اعتقدتَ على يَقين

كأنك من ضميرك عند دين … فمن شرفِ المبادىء أن تقيما

وإن ترمِ المظاهرَ في الحياة … فرُمْها باجتهادِك والثباتِ

وخذها بالمساعي باهراتِ … تنافسُ في جلالتها النجوما

وإن تخرجْ لحربٍ أو سلامِ … فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام

وكن كالليث: يَأْتي من أَمامِ … فيَمْلأ كلَّ ناطِقة ٍ وُجُوما

وكنْ شَعْبَ الخصائصِ والمزايا … فأقدمْ قبلَ إقدامِ الأنام

وكن كالنحلِ والدُنيا الخلايا … يمرُّ بها، ولا يَمضِي عَقيما

ولا تطمحْ إلى طَلَبِ المُحالِ … ولا تقنعْ إلى هجرِ المعالي

فإن أَبطأنَ فاصبرْ غيرَ سالِ … كصبرِ الأنبياءِ لها قديما

ولا تقبَلْ لغير الله حُكما … ولا تحمل لغير الدهرِ ظلما

ولا ترضَ القليلَ الدُّونَ قسما … إذا لم تقدرِ الأمرَ المروما

ولا تيأَسْ، ولا تكُ بالضَّجُور … ولا تثِقَنَّ من مَجرَى الأُمورِ

فليسَ مع الحوادثِ من قديرِ … ولا أَحدٌ بما تأْتِي عليما

وفي الجُهّالِ لا تَضَع الرجاءَ … كوَضع الشمْسِ في الوَحَلِ الضِّياءَ

يَضيعُ شُعاعُها فيه هَباءَ … وكان الجهلُ ممقوتاً ذَميما

وبالغ في التدبر والتحري … ولا تَعجَلْ، وثِق من كلِّ أَمر

وكن كالأُسْدِ: عند الماءِ تجرِي … وليست وُرَّداً حتى تَحوما

وما الدنيا بمثوى للعبادِ … فكن ضَيْفَ الرِّعاية ِ والوِدادِ

ولا تَستَكثِرَنّ من الأَعادي … فشَرُّ الناسِ أَكثرُهم خُصوما

ولا تجعلْ تودُّدَكَ ابتِذَالا … ولا تسمحْ بحلمك أن يذالا

وكن ما بين ذاك وذاك حالا … فلن تُرضِي العدُوَّ ولا الحميما

وصلِّ صلاة َ من يرجو ويخشى … وقبلَ الصَّوْمِ صُمْ عن كلِّ فَحْشا

ولا تحسب بأن الله يرشى … وأَنَّ مُزَكِّياً أَمِنَ الجحيما

لكلِّ جنى زكاة ٌ في الحياة ِ … ومعنى البِرِّ في لفظِ الزكاة

وما لله فينا من جُباة ِ … ولا هو لاِمْرِىء ٍ زكَّى غَرِيما

فإن تكُ عالماً فاعملْ، وفَطِّنْ … وإن تك حاكماً فاعدِلْ، وأَحسِنْ

وإن تك صانعاً شيئاً فأَتقِنْ … وكن للفرْضِ بعدئذٍ مُقيما

وصُنْ لغة ً يَحِقُّ لها الصِّيانُ … فخيرُ مظاهِرِ الأُممِ البَيَانُ

وكان الشعبُ ليس له لِسانُ … غريباً في مواطنه مضيما

ألم ترها تنالُ بكل ضيرِ … وكان الخيرُ إذ كانت بخير؟

أَيَنطِقُ في المَشَارقِ كلُّ طيرِ … ويبقى أهلها رخماً وبوما؟‍

فعلِّمْها صغيرَك قبلَ كلِّ … ودعْ دعوى تمدُّنهم وخلِّ

فما بالعيِّ في الدنيا التحلِّي … ولا خَرَسُ الفتى فضلاً عظيما

وخذ لغة َ المعاصرِ، فهيَ دنيا … ولا تجعل لِسانَ الأَصلِ نسْيَا

كما نقلَ الغرابُ فضلَّ مشيا … وما بلغَ الجديدَ، ولا القديما

لجيلك يومَ نشأته مقالي … فأما أنتَ يا نجلَ العالي

فتنظرُ من أَبيكَ إلى مِثال … يُحيِّرُ في الكمالات الفهُوما

نصائحُ ما أَردتُ بها لأَهدِي … ولا أبغي بها جدواكَ بعدي

ولكنِّي أحبُّ النَّفعَ جهدي … وكان النفع في الدنيا لزوما

فإن أقرئتَ يا مولاي شعري … فإن أَباك يَعرِفُه ويَدْرِي

وجدُّكَ كان شأوي حينَ أجري … فأَصرَعُ في سوابِقِها تَميما

بنونا أنتَ صبحهمو الأجلُّ … وعهدكَ عصمة ٌ لهمو وظلُّ

فلمْ لا نَرْتَجيكَ لهم وكلُّ … يعيشُ بأَنْ تعيش وأَن تَدوما؟