ألا في سبيلِ الله ذاكَ الدمُ الغالي – أحمد شوقي

ألا في سبيلِ الله ذاكَ الدمُ الغالي … وللمجدِ ما أبقى من المثل العالي

وبعضُ المنايا هِمّة ٌ من ورائِها … حياة ٌ لأَقوامٍ، ودُنيا لأَجيال

أعينيَّ، جودا بالدموع على دمٍ … كريمِ المُصَفَّى من شبابٍ وآمال

تناهَتْ به الأَحداثُ من غُربة ِ النَّوَى … إلى حادثٍ من غُربة ِ الدهرِ قتّال

جرى أُرجُوانيّاً، كُمَيْتاً، مُشَعْشَعاً … بأَبيضَ من غِسْل الملائِكِ سَلْسَال

ولاذ بقُضبانِ الحديدِ شَهيدُه … فعادتْ رفيفاً من عيونٍ وأطلال

سلامٌ عليه في الحياة ِ، وهامداً … وفي العُصُرِ الخالي، وفي العالَمِ التالي

خَليلَيَّ، قُوما في رُبَى الغربِ، واسقيا … رياحينَ هامٍ في التراب، وأوصال

من الناعماتِ الراوياتِ من الصِّبا … ذوت بينَ حِلٍّ في البلاد وتَرحال

نعاها لنا الناعي، فمال على أَبٍ … هَلوعٍ، وأُمٍّ بالكنانة ِ مِثكال

طَوَى الغربَ نحوَ الشرقِ يعْدُو سُلَيْكُهُ … بمضطربٍ في البرِّ والبحر، مرقال

يُسِرُّ إلى النفس الأَسَى غيرَ هامسٍ … ويلقي على القلبِ الشَّجى غيرَ قَّوال

سماءُ الحمى بالشاطئينِ وأرضه … منانحة ُ أقمارٍ، ومأتمُ أشبال

تُرَى الريحُ تدرِي: ما الذي قد أعادهَا … بساطاً، ولكن من حديدٍ وأَثقال؟

يُقِلُّ من الفِتْيَانِ أَشبالَ غابة ٍ … غُداة ً على الأَخطار رُكَّابَ أَهوال

ثَنَتْهُ العوادي دونَ أُودِينَ، فانثنَى … بآخَرَ من دُهْمِ المقاديرِ ذَيّال

قد اعتنقا تحتَ الدّخانِ كما التقى … كَمِيّان في داجٍ من النقْعِ مُنجال

فسبحانَ منْ يرمي الحديدَ وبأسه … على ناعم غضٍّ من الزهر منهال

ومنْ يأخذُ السارين بالفجرِ طالعاً … طلوع المنايا من ثنَّيات آجال

ومَن يَجعلُ الأَسفارَ للناس هِمّة ً … إلى سفرٍ ينوونه غير قفَّال

فيا ناقليهم، لو تركتم رفاتهم … أقام يتيماً في حِراسة ِ لآلِ

وبينَ غَريبالْدي وكافورَ مَضْجَعٌ … لنُزَّاعِ أَمصارٍ على الحقِّ نُزَّال

فهل عَطَفتْكم رَنّة ُ الأَهْلِ والحِمَى … وضَجَّة ُ أَترابٍ عليهم وأَمثال؟

لئن فاتَ مصراً أن يموتوا بأرضها … لقد ظَفِرُوا بالبَعْث من تُرْبِهَا الغالي

وما شغلتهم عن هواها قيامة ٌ … إذا اعتلَّ رهنُ المحسينِ بأشغال

حملتم من الغرب الشموسَ لمشرقٍ … تَلَقَّى سناها مُظلماً كاسِفَ البال

عواثرَ لم تبلغْ صباها، ولم تنلْ … مداها، ولم توصلْ ضحاها بآصال

يطافُ في الأعناقِ تترى زكية ً … كتابوتِ موسى في مَناكب إسْرال

ملفَّفة في حلَّة ٍ شفقية ٍ … هِلالية ٍ من راية النيلِ تمثال

أَظَلّ جلالُ العلم والموتِ وَفدَها … فلم تلقَ إلا في خشوعٍ وإجلال

تُفارِقُ داراً من غُرورٍ وباطِلٍ … إلى منزل من جيرة ِ الحقِّ محلال

فيا حلبة ً رفَّتْ على البحر حلية ً … وهزّتْ بها حُلوانُ أعطافَ مُختال

جرتْ بين إيماضِ العواصمِ بالضُّحى … وبينَ ابتسامِ الثَّغرِ بالموكِبِ الحالي

كثيرة َ باغي السبقِ لم يُرَ مِثلُها … على عهدِ إسماعيلَ ذي الطَّوْلِ والنال

لكِ الله، هذا الخطبُ في الوهم لم يقع … وتلك المنايا لم يكنَّ على بال

بَلَى ، كلُّ ذي نَفسٍ أَخو الموتِ وابنُه … وإن جَرّ أَذيالَ الحداثة ِ والخال

وليس عجيباً أن يموتَ أخو الصِّبا … ولكن عجيبٌ عيشهُ عيشة َ السالي

وكلُّ شبابٍ أو مشيبٍ رهينة ٌ … بمُعترِضٍ من حادثِ الدهرِ مُغتال

وما الشيبُ من خَيْلِ العُلا؛ فارْكَبِ الصِّبا … إلى المجدِ ترْكَبْ مَتْنَ أَقدرِ جَوّال

يَسُنُّ الشبابُ البأْس والجودَ للفتى … إذا الشيبُ سنَّ البخلَ بالنفس والمال

ويا نشأ النيلِ الكريمِ، عزاءَكم … ولا تذكروا الأَقدارَ إلا بإجمال

فهذا هو الحقُّ الذي لا يرُدُّه … تأفُّفُ قالٍ، أو تلطُّفُ محتال

عليكم لواءَ العلم، فالفوزُ تحتهُ … وليس إذا الأَعلام خانت بخذَّال

إذا مالَ صفٌّ فاخلفوه بآخَرٍ … وَصولِ مَساعٍ، لا ملولٍ، ولا آل

ولا يصلُحُ الفِتيانُ لا علمَ عندَهم … ولا يجمعون الأمرَ أنصاف جهَّال

وليس لهم زادٌ إذا ما تزودوا … بياناً جُزَاف الكيل كالحَشَفِ البالي

إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ … فمَنْ لجليلِ الأَمرِ أَو مُعْضِلِ الحال؟

ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ … نفوسُ الحواريِّين أو مهجُ الآل

فَغَنُّوا بهاتيك المصارعِ بينَكم … ترنُّمَ أبطالٍ بأيام أبطال

أَلستم بَني القومِ الذين تكبَّروا … على الضربات السّبعِ في الأَبدِ الخالي؟

رُدِدْتُم إلى فِرْعَوْنَ جَدّاً، ورُبما … رجعتم لعمٍّ في القبائل أو خال