مرئية الآلهة – بدر شاكر السياب

بلينا و ما تبلى النجوم الطوالع … و يبقى اليتامى بعدنا و المصانع

وبقى كرب الجالب الكرب كالصدى … يغص المنادى بالردى وهو راجع

كأن الأميبي توأم وهو توأم … لها فهو في منجى من الموت قابع

و لكنه الفرد الذي يزحف الورى … إلى حيث ترمي مقلتيه المطامع

أعنقاء من صحراء مجد تقحّمت … بها مغرب الشمس البعيد الزعازع

أم انسل من أهرام فرعون هاجع … وقته انتقاص الدود منه المباضع

و من ليس يحيا لن يرى و هو مالك … فلو كان يحيا ما عدته الفواجع

و ما كان إلا اسما كرب ابن مثله … به يدمغ اثنان الورى و البضائع

و لكنه اسم بالأسامي يغتذي … تهجاه زفار اللظى و المدافع

تمنيت أني آله لا يصيبها … كلال و لا وقت بها مرّ ضائع

لها من دماء الناس قوت و خلفها … من المال عن أن ينفذ القوت مانع

و ما تخطىء الآلات من الجمع تارة … و في الطرح إن يخطىء من الناس جامع

و لا عاقبتها عصبة من ورائها … علينا عقاب برئوا منه واقع

ألا كم رفعنا من إله و كم هوى … إله و أضحى ثالث و هو رابع

فما جاوزنا صورة منه خطها … على غفلة منا مجيع و جائع

و ما كان معبودا سوى ما نخافة … و نرجوه أو ما خيلته الطبائع

فتموز مثل اللات و الرعد ما رمى … بغير الذي تطوى عليه الأضالع

و كم أله التمر التهامي معشر … لما ليس يحيا دونه الناس راكع

فلما شكا بعد الأثافي قدرها … وضنت على الشدق الحفي المراضع

كفى كل ثغر كان يدعوه جوعه … إله أحاطته المدى و الأصابع

دمى هذه الخمر التي تشربونها … و لحمي هو الخبز الذي نال جائع

و لما تشظى قلب نرسيس و أنثى … يلم الشظايا شار وبائع

و غذّى بها القلب الذي حين ذاقها … نما فيه نابا كوسج فهو قاطع

هوى كل عال من إله و سافل … إلى حيث ما م راحل ثم راجع

و أفضى إلى العرس السديمي معدن … بما امتاح من أحدق ميدوز لا مع

هو الشمس إلا أن في زمهريره … من الموت ظلا حجّبته البراقع

جزى أمه الأرض التي من عروقها … ربا و اغتذى في جوفها و هو هاجع

بشر الذي يجزى به شر من عذا … و أروى و يجزاه العدو المنازع

فأدمى بنيها وارتعى من بناتها … حقولا ترجى فهي شوه بلاقع

كقابيل يغتال الأشقاء راكل … كأوديب للخبز الإلهي صافع

و هذا الإله الأملس الفظ ما جلا … لنرسيس يجثو عنده و هو خاشع

سوى وجه نرسيس الرخامي شابه … شحوب يهوذي التلاوين ناقع

و أوفى من الأرباب جيل يئمّه … على قمّة الأولمب ربّ مخادع

ترى فحم إذ يلقاه يلقاه راجفا … و فولاذ من تلماح عينيه مائع

و يا عهد كنّا كابن حلاّج واحدا … مع الله إن ضاع الورى فهو ضائع

أكلّ الرّجال الجوف أن يملأوا به … خواء الحشا هذا الإله المضارع

فعاد الفقير الروح من ليس كاسيا … به ظاهرا منّا فحل التنازع