ما لها مفرية ً بيداً فبيدا – عبدالغفار الأخرس

ما لها مفرية ً بيداً فبيدا … تَقْطَعُ الأَرضَ هبُوطاً وصُعودا

كلّما لاح لها برق الحمى … نثرت من لؤلؤ الدمع عقودا

لستُ بالمنكر منها عبرة … إنّها كانت على الحبّ شهودا

فإلى أين سُراها ولمن … تطس البيداء أو تحشو الصعيدا

أَوْقَدَ الشوق بها نيرانه … فَتَلَظَّتْ بلظى الوَجد وقودا

تخمد النارُ وما لي لا أرى … للجوى من مهجة الصبِّ خمودا

يا أخلاّئي وأعلاقُ الهوى … جاوزتْ من شغف القلب حدودا

أَخْلَقَتِ بالصَّبر عنكم لوعة … تبعثُ الشوق بها غضاً جديدا

ووهى يوم نأيتم جلدي … بعدَ ما كنتُ على الدهر جليدا

خنتمُ عهدَ الهدى ما بيننا … ورَعَيْنا لكمُ فيها عهودا

من معيدٌ لي في وادي الغضا … زَمَناً مَرَّ ومن لي أَنْ يعودا

في زرودٍ وقفة أذكرها … فَسقى الله حيا المزن زرودا

ومن السّربِ مهاة ٌ لحظها … يَصْرَع اللّبَّ ويصطاد الأسودا

وبروحي شادنٌ من ريقه … لا أعافُ الخمرَ والماء البرودا

سلب الغصن رطيباً قدُّه … والظِباءُ العُفْرُ ألحاظاً وجيدا

لامني اللائم عن جهلٍ به … والهوى يأَنَفُ إلاَّ أن يزيدا

أيّها العاذل يبغي رشدي … خَلِّني والغيّ إنْ كنتَ رشيدا

إنَّ مَن كانت حياتي عنده … طالما جرَّعني الحتفَ صدودا

وحرامٌ أنْ أرى سلوانه … ولو أنّي متُّ في الحبِّ شهيدا

غَلَبَتْني منه أجناد الهوى … إنَّ لمحبِّ على الصبِّ جنودا

من يريني البانَ والورد معاً … في تَثَنّيه خدوداً وقدودا

يمّمي أيّتها النوق بنا … سيّدَ السادات والركن الشديدا

فلئن سِرْتِ بنا حينئذٍ … لعليٍّ كان مسراك حميدا

لا ترى وجهاً عبوساً عنده … حين تلقاه ولا صدراً حقودا

منعمٌ سابغة ٌ نعمتهُ … ومفيد من نداه المستفيدا

كلّما قرَّبتُ من حضرته … فرَّبتْ لي أملاً كان بعيدا

حيثُ طالعنا فأَبْصَرْنا به … طالعاً من ذلك الوجه سعيدا

أسرعُ العالم وعداً منجزاً … وإذا أوعدَ أبطاهم وعيدا

آل بيت سَطَعَتْ أنوارهم … لم تدعْ للغيّ شيطاناً مريدا

وإذا أعربتَ عن أبنائهم … فاذكر الآباء منهم والجدودا

تأْخُذُ الآراء عنه رشدها … فيُريها الرشدَ والرأي السديدا

ليّن الجانب فيه شدّة ٌ … قد أذابت من أعاديه الحديدا

قُيِّدَتْ عادية الخطب فما … تضع الأغلال عنها والقيودا

ببنيهِ حفظ الله بهم … مهجة َ المجد طريفاً وتليدا

رافعٌ راية أعلام الهدى … عاقدٌ للدين بالعزّ بنودا

في بيوت أذِن الله لها … أنْ نراه في مبانيها عمودا

من سيوف الله إذ ما جردتْ … قطعت من عنق الشرك الوريدا

سيّدٌ برٌّ رؤوفٌ محسنٌ … ترك الأحرار بالبرّ عبيدا

فترى الأشراف في حضرته … قُوَّماً بين يديه وقعودا

أمطرتْ من يده قطرَ النّدى … في رياض الفضل يُنْبِتْنَ الورودا

فترى الأقلام في أمداحه … رُكّعاً تملي ثناه وسجودا

يا ابن قطب الغوث والغيث الذي … لم يزلْ يهلُّ إحساناً وجودا

أنتم البحر وما زلتُ بكم … مستمدّاً منكم البحر المديدا

إنْ وَرَدْنا منهلاً من نَيلكم … ما صدرنا عنكم إلاّ ورودا

ما سواكم مقصد الراجي ولا … في سوى شكرانكم نملي القصيدا

ليس بالبدع ولا غرو إذا … همتُ في مدحك نظماً ونشيداً

جُدْتَ لي بالجود حتى خِلْتَني … بندى وابلك الروض المجودا

وقليلٌ فيك لو أنظمها … في مزاياك لها دُرّاً نضيدا

فاهنا بالنيشان من سلطاننا … مبدئاً للفخر فيه ومعيدا

ذلك اليوم الذي وافى به … كان للأشراف في بغداد عيدا

ملكٌ أرسله مفتخراً … وبه أرسلَ مولاي البريدا

لم تزل ترقى إليها رتباً … نكبت الشانىء َ فيها والحسودا