ما ردَّ سلوتهُ إلى إطربهِ – بشار بن برد

ما ردَّ سلوتهُ إلى إطربهِ … حتَّى ارعوى وحدا الصِّبا بركابه

إن كانَ ليس به الجنونُ فإنما … لعب الرقاة ُ بقلبه أو ما به

إلى ” عبيدة ” شوقه ونزاعه … إِنَّ الْمُحبَّ مُعذَّبٌ بِحِبَابِه

ما زال مذ زال الغزال منقباً … بطريفة ٍ من عينه ونقابه

رِيمٌ تَعَرَّضَ كالْبُرُودِ لِرَأيِه … فَصَبَا ووكَّلَهُ الصِّبا بِطِلاَبه

عرضت لهُ بجمالها ودلالها … عنْدَ الْمَثَاب فَحِيلَ دُون مَثَابِهِ

تغْدُو لهُ الْعَبَراتُ عنْد غُدُوِّه … وتؤوبه الزفراتُ عند إيابه

إن قيل : من حلب الصبا لفؤاده … فاذكر عبيدة ليس من جلاَّبه

شخْصٌ برُؤْيتِه مُناهُ وهَمُّهُ … وحديثهُ في جدِّه ولعابه

أنى أروم به السلو ولم أزل … بخياله أرقى وطيب ثيابه

لوْ مُتُّ ثُمَّ سَقَيْتَنِي برُضابِه … رجعت حياة ُ جنازتي برضابه

إن خطَّ قبري نائياً عن بيته … فاجعل حنوطي من دقاقِ ترابه

سَقْياً لهُ ولمُدخلٍ أُدْخلْتُهُ … يوْم الْخميس عليْه في أتْرابه

ولقدْ عجبْتُ من الْجرِيِّ يقُولُ لي … لمَّا بدا في حليه وخضابه

أَهُو الْحبيبُ بَدَا لعيْنك أمْ دَنَتْ … شمسُ النهار إليك في جلبابه

فزنا بمجلسنا فيا لك مجلساً … قَصَرَ النَّهارَ وصاحبي ازْرى به

نصل الحديث إذا أمنا عينهُ … عجباً به ونروحُ من عيَّابه

و«ربابُ» ترْمُقُ منْ ألمَّ بعيْنها … سلمت من الأقذاء عين ربابه

حتَّى إِذا انخرق الصَّفاءُ بمنْطقٍ … بلغ العتابَ وكان دون عتابه

قالت: «كُتامة ُ» داخلٌ وكأَنَّما … بعثتْ لهُ ابْن مُفدَّم بعَذابه

قد كان يشفقُ من تقاصر يومه … في بيْته وكُتامة َ الْمُنْتابه

شحا عليه ورهبة ً من يومه … فالآن أصبح موقناً بذهابه

ولقدْ أقُولُ لشامتٍ بفراقه … ملقِ الحديثِ إذا غدا كذَّابه:

سامح أخاك إذا غدوت لحاجة ٍ … واتْرُكْ مساخطهُ إِلَى إِعْتابه

فلقد أسوي للضغائن مثلها … وأصِي الْبغيضَ ولسْتُ بالْهيَّابه

وأحدَّ من ولد الجديل أعارهُ … طرفُ النُّسُوع أخذْن في أقْرابه

عرْدٌ إِذَا خَرِسَ الْمطيُّ كأنَّما … يغدو يجرجرُ دارس في نابه

وإذا سرى كحل الزميل بأرقة ٍ … من قرع بازله ومن قيقابه

وكأن منفضج الحميم بليتهِ … دهنٌ شببت سواده بملابه

غول البلاد إذا المقيل تحرقت … آرامُهُ وجرتْ بماءِ سَرَابه

يثِبُ الإِكَامَ إِذا عرضْن لوجْهه … من عرب أغلب ليس من إنعابه

بنجاء مُنْسرح الْيديْن تخالُهُ … عنْد الْكلاَل يُزادُ في إِلْهابه

دَامِي الأَظلِّ علَى الْحِدابِ كأنَّما … خضبت بعصفره رؤوس حدابه

وكأنه من وحش وجرة َ ناشطٌ … يقْرُو الْعَقَنْقل آلِفاً بعذابه

جذل المها وصوار كلِّ خميلة ٍ … لا عن تجفُّله نجاء خبابه

أَرِجُ الْقِنَان إِذَا ترجَّلت الضُّحى … صخب القنابر تحت ظل سحابه

للشمس يسجدُ طائعاً ريحانه … ويبيتُ يأرَقُ ضيْفُهُ بذُبابه

حتى إذا طلع الزمان بعيشة ٍ … فيها وسال عليه بعضُ شعابه

حنف المبيت له بأوجس ليلة ٍ … منْ صوْت راعده ومنْ تَسْكابه

فأقام يشْخصُهُ الثَّرى ويُسيرُهُ … قرب السفا ليسيح في منجابه

صرر الأديم إذا أرب به الندى … غشِيَ الأَلاَءَ يلُوذُ منْ إِرْبابه

حتى إذا غدت الورى وغدا بها … مثل المريض أفاق من أوصابه

وتجوَّبتْ مِزَقُ الدُّجَى عنْ واضحٍ … كالفرق وانكشفت سماء ضبابه

سَبَقَ الشرُوقَ إلِيْه أَشْعثُ شاحبٌ … تلِدُ الضِّراءَ فهُنَّ منْ أكْسابه

فانصاع من حذرٍ على حوبائه … وتَبْعْنهُ يَنْسَبْنَ في مُنْسابه

حتَّى إِذا سمع الضُّباحَ خلاَفَهُ … وعرضنه طلقاً على أعطابه

كر الشبوب على الضراء بروقه … فاختل لبة زانجٍ وزنابه

ومضى يزلُّ علَى الْمِتان كأنَّهُ … نجمٌ لمسترق هوى بشهابه

فكذاك ذلك إِذْ رفعْتُ قُيُودهُ … أصلاً وميثرتي على أصلابه

هجر المقامة أن تكون مناخه … بأغر تزدحم الوفود ببابه

مُتحاسدينَ علَى لِقَاء مُسَوَّدٍ … رحب الفناء جدٍ على أصحابه

رَجُلٌ إِذا زَأرتْ أسُودُ قبيلة ٍ … زأر المهلب وابنه في غابه

داود إنك قد بلغت بحاتمٍ … شرف العلى وذهبت في أسبابه

وبَنَى قَبيصة ُ والْمُهلَّبُ مَعْقِلاً … وَبَنيْتَ بَيْتَكَ في ذُرى صُلاَّبِه

هذا وذاك وذا وأنْتَ، ولم تزلْ … تزْدادُ في شرفِ الْبِنَى ورِحَابه

هل تجفونَّ فتى ً يقول لمجدبٍ … وَسْقُ الْمطيِّ يفرُّ منْ أَجْدابِه

داود غيثك إن بسطت بلاده … فانزل ضمنت لك الحبا بجنابه

وأبلَّ يَلْتَهِمُ الْخُصُوم مُرَغَّمٍ … بصوابِ مَنْطِقِه وغيْرِ صَوَابِه

وجَّهْتَ عنْ بِنْتِ السَّبيل سبيلَهُ … بمحالة ٍ وردعته بجوابه

وإذا الخطوبُ تقنَّعت عن لاقحٍ … تدعُ الذليل لنسره وغرابه

ألْقتْ بَنُو يَمَنٍ إِليْك أمورَها … وربيعة َ بْنِ نزارٍ الرَّبابه

قعد الأغرُّ لدى الكريهة والذي … عنْد الْملاَحم يُشتفى بِضِرَابِه

سهم اللقاء إذا غدا في درعه … رأبت مشاهده الثأى برئابه

… منْ لِينٍ جَانِبِه ولَيْن حِجَابِه

وإِذا اكْتَحَلْتَ به رأيْتَ مُبَتَّلاً … لَبِسَ النَّعيمَ علَى أديم شَبابِه

ينفي مواهبه النوافذ كلها … منْ سَيْبِ مُشْرك النَّدى وهَّابِه

يعطي البدور مع البدور ولو عرا … حقٌّ لأعطى ما له برقابه

وإِذَا تنزَّلُ في الْبِطاح قِبابُهُ … في الْمُحْرِمِين عَرفْتَهُ بِقِبابِه

وقيانه الغر النواصف أهلها … وقيام غاشيه على أبوابه

منْ رَاغبٍ يَعِدُ الْعِيالَ نَوَالَهُ … بعد الرجوع وراهبٍ لعقابه