لمّا رأيتُ منازلَ الجوزاء – محيي الدين بن عربي

لمّا رأيتُ منازلَ الجوزاء … خفيتْ عليَّ حقائقُ الأنباءِ

وعلمتُ أنَّ اللهَ يحجُبُ عبدَه … عن ذاتِه لتحقق الأنساء

إنّ الدّليلَ مقابلُ مدلولهِ … حكم التقابلِ بنفسه الإنشاء

انظر إلى أسمائه الحسنى تجد … أعياننا من حضرة ِ الأسماء

فإذا بدا بالوجه أظهرَ كوننا … بالنسخة ِ المشهودة ِ الغرَّاءِ

زلنا عنِ الأمثالِ لا بلْ ضربَها … للهِ إذْ كنا منَ الجهلاءِ

أين الذراعُ وهقعة ٌ وتحية ٌ … من فرضٍ قدرِ فوقهم متنائي

في أطلس ما فيه نجمٌ ثابتٌ … يبدو يشاهد نوره للرائي

ولهُ الرطوبة ُ والحرارة ُ إذْ له … طبعُ الحياة ِ وسرُّه في الماءِ

عصرُ الشبابِ لهُ وليسَ لكونِه … في الرتبة ِ العلياءِ برجُ هواءِ

والدالي والميزانُ أمثالٌ له … فالحكمُ مختلفٌ بغيرِ مِراء

حكمُ المنازلِ قدْ تخالفَ طبعهُ … كيفَ الشفاءُ وفيه عينُ الداءَ

حارَ المكاشفُ في الدجى خيالَه … مثل المفكر إذ هما بسواء

الأمرُ أعظمُ أنْ يحاطَ بكنههِ … ومعَ النزاهة ِ جاءَ بالأنواءِ

حِرنا وحارَ العقلُ في تحصيلهِ … إذ ليس منحصراً على استيفاء

لولا ثبوتُ المنعِ قلتُ بجودهِ … المنعُ يذهبُ رتبة َ الكرماءِ

لا تفرحنَّ بما ترى من شَاهدٍ … يبدو لعينكِ عندَ كشفِ غطاءِ

من شأنهِ المكرُ الذي قدْ قاله … في محكمِ الآياتِ والأنباء

القصد في علمِ الأمور كما جَرَتْ … ما القصد في حَمَل ولا جَوزاءِ

إنّ الطبيعة َ كالعروسِ إذ انجلتْ … والبعلُ من تدريه بالإيماء

عنها تولدتِ الجسومُ بأسرها … وتعاقبَ الإصباحُ والإمساء

فهي الأميمة للكثيفِ وروحُه … وهو لها للنشئِ كالأبناءِ

وهم الشقائقُ يُنسَبون إليهما … بالفعلِ لا بالتحامِ النائي

من دانَ بالإحصاءِ دانَ بكلِّ ما … دلتْ عليه حقائقُ الإحصاءِ

لا تلق ألواحاً تضمن رحمته … وادفع بهن شماتة الأعداء

واسلك بنا النهجَ القويمَ ملبياً … صوتَ المنادى عند كلِّ نداء

هو حاجب البابِ الذي خضعتْ له … غلبُ الرقابِ وآمرُ الأمراء