لمنْ جاهدَ الحسادَ أجرُ المجاهدِ – أبو فراس الحمداني

لمنْ جاهدَ الحسادَ أجرُ المجاهدِ … وَأعْجَزُ مَا حَاوَلْتُ إرْضَاءُ حَاسِدِ

و لمْ أرَ مثلي اليومَ أكثرُ حاسداً ؛ … كأنّ قُلُوبَ النّاسِ لي قَلبُ وَاجِدِ

ألمْ يَرَ هذا النّاسُ غَيْرِيَ فاضِلاً؟ … وَلمْ يَظْفَرِ الحُسّادُ قَبلي بمَاجِدِ؟

أرى الغلَّ منْ تحتِ النفاقِ ، وأجتني … مِنَ العَسَلِ المَاذِيّ سُمّ الأسَاوِدِ

وَأصْبِرُ، مَا لْم يُحْسَبِ الصَّبْرُ ذِلّة ً، … وَألْبَسُ، للمَذْمُومِ، حُلّة حَامِدِ

قليلُ اعتذارٍ ، منْ يبيتُ ذنوبهُ … طِلابُ المَعَالي وَاكتِسَابُ المَحامِدِ

و أعلمُ إنْ فارقتُ خلاَّ عرفتهُ ، … و حاولتُ خلاً أنني غيرُ واجدِ

وَهل غضَّ مني الأسرُ إذْ خفّ ناصري … و قلَّ على تلكَ الأمورِ مساعدي

ألا لا يُسَرّ الشّامِتُونَ، فَإنّهَا … مَوَارِدُ آبَائي الأولى ، وَمَوَارِدِي

و كمْ منْ خليلٍ ، حينَ جانبتُ زاهداً … إلى غَيرِهِ عَاوَدْتُهُ غَيرَ زَاهِدِ

وماكلُّ أنصاري من الناس ناصري … ولاَ كلَّ أعضادي،منَ الناسِ عاضدي

وَهَل نافعي إنْ عَضّني الدّهرُ مُفرَداً … إذا كانَ لي قومٌ طوالُ السواعدِ

وَهَلْ أنَا مَسْرُورٌ بِقُرْبِ أقَارِبي … إذا كانَ لي منهمْ قلوبُ الأباعدِ؟

أيا جاهداً ، في نيلِ ما نلتُ منْ علاَ … رويدكَ إني نلتها غيرَ جاهدِ

لَعَمْرُكَ، مَا طُرْقُ المَعَالي خَفِيّة ٌ … وَلَكِنّ بَعضَ السّيرِ ليسَ بقَاصِدِ

و يا ساهدَ العينينِ فيما يريبني ، … ألا إنّ طَرْفي في الأذى غَيرُ سَاهِدِ

غفلتُ عنِ الحسادِ ، منْ غيرِ غفلة ٍ ، … وَبِتّ طَوِيلَ النّوْمِ عَنْ غَيْرِ رَاقِدِ

خليليَّ ، ما أعددتما لمتيمٍ … أسِيرٍ لَدى الأعداءِ جَافي المَرَاقِدِ؟

فريدٍ عنِ الأحبابِ صبٍّ ، دموعهُ … مثانٍ ، على الخدينِ ، غيرُ فرائدِ

إذا شِئتُ جاهَرْتُ العدوّ، وَلمُ أبتْ … أُقَلّبُ فَكْري في وُجُوهِ المَكَائِدِ

صبرتُ على اللأواءِ ، صبرَ آبنِ حرة ٍ ، … كثيرِ العدا فيها ، قليلِ المساعدِ

فطاردتُ، حتى أبهرَ الجريُ أشقري، … وضاربتُ حتى أوهنَ الضربُ ساعدي

و كنا نرى أنْ لمْ يصبْ ، منْ تصرمتْ … مَوَاقِفُهُ عَن مِثلِ هَذي الشّدائِدِ

جمعتُ سيوفَ الهندِ ، منْ كلِّ بلدة ٍ ، … وَأعْدَدْتُ للهَيْجَاءِ كُلّ مُجَالِدِ

وأكثرْتُ للغَاراتِ بَيْني وَبَيْنَهُم … بناتِ البكيرياتِ حولَ المزاودِ

إذا كانَ غيرُ اللهِ للمرءِ عدة ٌ ، … أتَتْهُ الرّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الفَوَائِدِ

فَقد جَرّتِ الحَنفاءُ حَتفَ حُذَيْفَة ٍ … و كانَ يراها عدة ً للشدائدِ

وَجَرّتْ مَنَايَا مَالِكِ بنِ نُوَيْرَة ٍ … عقيلتهُ الحسناءُ ؛ أيامَ ” خالدِ “

وَأرْدى ذُؤاباً في بُيُوتِ عُتَيْبَة ٍ، … أبوهُ وأهلوهُ ؛ بشدوِ القصائدِ

عسى اللهُ أنْ يأتي بخيرٍ ؛ فإنَّ لي … عوائدَ منْ نعماهُ ، غيَرَ بوائدِ

فكمْ شالني منْ قعرِ ظلماءَ لمْ يكنْ … ليُنقِذَني مِن قَعرِها حَشدُ حاشِدِ

فإنْ عدتُ يوماً ؛ عادَ للحربِ والعلاَ … وَبَذْلِ النّدى وَالجُودِ أكرَمُ عائِدِ

مَرِيرٌ عَلى الأعْدَاءِ، لَكِنّ جارَهُ … إلى خَصِبِ الأكنافِ عَذبِ المَوَارِدِ

مُشَهًّى بِأطْرَافِ النّهارِ وَبَيْنَهَا … لَهُ مَا تَشَهّى ، مِنْ طَرِيفٍ وَتالِدِ

مَنَعتُ حِمى قَوْمي وَسُدتُ عَشيرَتي … وَقَلّدْتُ أهْلي غُرّ هَذِي القَلائِدِ

خَلائِقُ لا يُوجَدْنَ في كُلّ ماجِدِ، … وَلَكِنّهَا في المَاجِدِ ابنِ الأمَاجِدِ