لله قوم بالثبات تدرعوا – جبران خليل جبران

لله قوم بالثبات تدرعوا … وبكل جامعة الشتات تذرعوا

ألدهر منقا إذا ما صمموا … والنصر ميعاد إذا ما أزمعوا

هل تعرفون عشيرة خابوا وقد … جمعوا القوى وعلى الحقيقة أجمعوا

من يطلب العلياء يدرك أوجها … متتبعا والفائز المتتبع

بعض المنى كالشعر خير تركه … إن لم يوفق فيه إلا المطلع

والمجد إن لم يحل منه بطائل … كالورد قل ومر منه المقطع

إن كان بعض البأس قوة أشجع … فالبأس كل البأس خلق أشجع

ويجل عن نفع الشجاع بلاده … ما قد يفيد بلاده المتبرع

لله سانحة وعبد عزيزها … سنحت فأنجحها الذكي الأروع

من قال هذي بدعة قل بدأة … في الخير أبده ما ترام وأبدع

إن لم يصن خلق الصغار مهذب … ماذا يحاول وازع ومشرع

أو لم يكن أدب السجايا رادعا … للناشئين هل العقوبة تردع

في كل قطر ملجأ أفما لنا … في أن نجاري ما يجرى مطمع

ما بالنا نجد الشعوب أمامنا … وعلى مثال صنيعهم لا نصنع

أشرف ببنيان إلى تشييده … هرع الكرام وحقهم أن يهرعوا

هو للعفاف من الدعارة موئل … هو للإباء من المهانة مفزع

يبقي على الأطفال وهي قوى الحمى … من أن يضيعها عليه مضيع

ما جاهنا في الناس ما عنواننا … أأولئك المتشردون الظلع

من كل من يطوي صباه على الطوى … والبهم في نضر الخمائل ترتع

لا ستر يستره وما من مفضل … غير الذى تكساه تلك الأضلع

أزهار مصر شهية وثمار مصر … جنية والنيل نعم المشرع

أي الجنان هو الخصيب وما به … ري لعيلته الضعاف ومشبع

قد حان أن تهدى السبيل جماعة … أنتم لها الهامات وهي الأذرع

قد حان أن يؤوى الفقير إلى حمى … قد حان أن يقوى الصغير الأضرع

ذودوا الحرام عن الحلال يدم لكم … فلأفتك الوحش الذي هو أجوع

ذودوا الحساب الحق عن أحسابكم … فلربما كذب الثناء الأشيع

ذاك الشقاء مغاديا ومراوحا … مما تمض به النفوس وتوجع

ليزل زوال المحل لا يؤسى له … ولزدهر بمكانه ما نزرع

فتخف في أكبادنا شعل الأسى … وتكف عن خد الخدود الأدمع

يا من تباروا مسرعين إلى الندى … والأمجدون إلى المبرة أسرع

هل ينكر الوطن اختلاف صنوفكم … والفضل فيما بينكم متوزع

في مصر منذ اليوم أسنى موقف … للمجد يشهد في الزمان ويسمع

عزت ومن أسمى المفاخر أنها … نهضت بعزتها العقائد أجمع

كالدوحة الكبرى توحد أصلها … ومضت مذاهب في السماء الأفرع

وبما جلبن من الأشعة والندى … نمت الجذوع وشملها متجمع

فرطت في تشبيه مصر بدوحة … هي روضة ونباتها متنوع

كل المحاسن في الأزاهر حسنها … وبكل طيب طيبها متضوع

ذاك التباين للمواطن صالح … في حين يتحد الهوى والمنزع

لبني أبيه مفتدي أوطانه … ولنفسه المتزهد المتورع

ليست عبادات النفوس بربها … إلا عذارى خيرها المتقنع

أما اللواتي ينجلين لحكمة … فحجابهن هو الضياء الأسطع

أي سادتي طرق الفلاح كثيرة … في وجه من يسعى وهذا مهيع

من يبغ إرضاء الندى فأوانه … أو يبغ إرضاء الهدى فالموضع

مصر السخية هل يقول عذولها … بخلت على الشأن الذي هو أنفع

أنتم ذؤابتها وأنتم قلبها … وبكم توقى الحادثات وتمنع

قدما ولا تتقاعسوا قدما ولا … تتباطأوا والأكرم المتطوع

إن لم يكن إحساننا متوقعا … يوم الحمية ساء ما نتوقع

هذا لكم شكري بشعر خالص … لا شيء فيه مصرع ومرصع

هو محض وحي بدؤه كختامه … عفو السجية ليس فيه تصنع