لله أحمد من فقيد مكان – جبران خليل جبران
لله أحمد من فقيد مكان … قد كن فيها فاقد الأمثال
لم يوف سربال المحاماة امروء … إيفاءه ما حق للسربال
ماضي العزيمة ذو ذكاء باهر … متوافق النيات والأقوال
من قال موسوعات شرع جمعت … في ذات صدر لم يكن بمغالي
يزداد ما طال المدى تحصيله … ويكد في الأسحار والآصال
ويظل ملتمسا إنارة ذهنه … بهدى شموس أو بضوء ذبال
يأبى التعمل كاتبا أو خاطبا … ويحب في الإنشاء غير الحالي
يتجنب الزينات في ألفاظه … حذر الغموض وخشية الإملال
أو خوف أن تغشى الأدلة ريبة … من زخرف تبدو به وصقال
عركته عاركة الصروف فعزمه … متمكن كشوامخ الأجبال
راضته رائضة الخطوب فلم يكن … قرم يساجله غداة سجال
ما كان أصيده لأنفر مأرب … بالبطش وهو الرأي أو بختال
ما كان أقوى ضعفه بسكوته … حتى يصول به على الصوال
ما كان ألعبه براسخة النهى … فكأنهن على شفا منهال
روح كتلك الروح كيف تصورت … زمنا وإن هو قل في صلصال
ضاقت بها سعة الوجود وضمها … في شبه طيف جانبا تمثال
تمثال مجد لا ترى فيه سوى … رجل بلا تيه ولا إدلال
متقاصر ملأ العيون تجلة … ورمى بظل في القلوب طوال
يختال في الجسم الضئيل وقلما … كانت أولو الألباب غير ضئال
يعلو محياه ابتسام دائم … برئت معانيه من الإدغال
صحب الحياة وما بها لأخي النهى … ضحك يتم فظل في استهلال
عيناه لا يحكي وميض سناهما … إلا التألق في اشتباك نصال
ما نور مصباحين يجري منهما … بالكهرباءة مجريا سيال
وتراه أكثر ما تراه مطرقا … إطراق لا وجل ولا مختال
فيظل كالمغضي وليس بحاجب … عينيه ستر محكم الإسبال
للغنة الجاري عليها صوته … تأثير سحر في النفوس حلال
يرقى السماع بها وإن يك نبره … لا يرتقي مع فكره الوقال
من قوة بحجاه تكسب قوة … في النفس توغل أيما إيغال
وبها يبز منافسه ظافرا … وبها يوامق راشدا ويقالي
يا خيبة الآمال في الدنيا ويا … غبن المساعي في دراك معالي
داء عرا فاندك طود شامخ … بأخف وقعا من دبيب نمال
مجد تولاه العفاء وقوة … قهارة سكنت مهيل رمال
أفضى الذكاء إلى صفيح هامد … وأوى المضاء إلى ضريح خالي