لقد آن أن تثني أبي زمامها – ابن معصوم المدني

لقد آن أن تثني أبي زمامها … وتسعف مشتاقاً برد سلامها

سلامٌ عليها كيف شطت ركابها … وأنى دنت في سيرها ومقامها

حملتُ تَمادي صدِّها حين كان لي … قوى جلدٍ لم أخش بث التئامها

وكنتُ أرى أنَّ الصُّدودَ مودَّة ٌ … ستدلي بقرب الود بعد انصرامها

فأمَّا وقد أوْرى الهوى بجوانحي … جوى غلة ٍ لم يأن بل أوامها

فلستُ لَعمري بالجليد على النَّوى … وهل بعدَها للنفسِ غيرُ حِمامها

إذا قلتُ هذا آن تنعمُ بالرِّضا … يقول العِدى هذا أوانُ انتقامِها

أطارَحَها الواشونَ أنِّي سلوتُها … وها أنا قد حكمتها في احتكامها

أبى القلب إلا أوبة ً لعهودها … وحفظاً لها في ألِّها وذِمامِها

يسفهني فيها وشاة ٌ ولومٌ … ومن سَفهٍ إفراطها في ملامها

وهل طائلٌ في أن يلوم على الهوى … طليقٌ وقلبي موثقٌ بغرامها

وأتعبُ مَن رام العذولُ سلوه … محبٌّ يَرى نيلَ المنى في التزامها

وإنِّي بعد الوصل أرجو لقاءَها … لِماماً ولكن كيف لي بلمامِها

أحبُّ لريَّا نَشرها كلَّ نفحة ٍ … تمرُّ بنجدٍ أو خُزامى خزامِها

سقى أرضَ نجدٍ كلُّ وطفاءَ ديمة ٍ … وما أرضها لولا محط خيامها

أجلْ وسَقى تلكَ الربوع لأجلها … وأغدق مرعى رندها وبشامها

هوى ً أنشأتهُ المالكيَّة ُ لم يزل … وثيقاً على حل العرى وانفصامها

فهل علمتْ أنَّ الهوى ذلك الهوى … وأن فؤادي فيه طوع زمامها

ولم يبق مني الوجد غير حشاشة ٍ … تراد على توزيعها واقتسامها

كفاكِ فحسبي من زماني خطوبه … فإنَّ فؤادي عُرضة ٌ لسهامها

أساور منها كل يوم وليلة … صروفاً قعود الجد دون قيامها

إلى الله أشكوها حوادثَ لم تزل … تروع حتى مقلتي في منامها

ولولا رجائي في أجل مؤمل … رجوت لنفسي منه برء سقامها

إذن لقضى خطب الزمان وصرفه … عليها وأمست في إسارِ لِزامها

هو الأبلج الوضاح أشرق نوره … فجلى عن الدنيا قتام ظلامها

أجل ذوي العليا وواحد فخرها … وأكرم أهليها ومولى كرامها

حمى حوزة المجد المؤثل والعلى … فأصبح من عليائها في سنامها

وقام بأعباءِ الشريعة ناهضاً … فأيدها في حلها وحرامها

به أينعت روضُ النَّدى وتهدَّلت … فروعُ العُلى وانهلَّ صوبُ غمامها

فتى ً لا يرى الأموالَ إلاَّ لبذلها … إذا ما رآها غيره لاغتنامها

له مننٌ يَربو على الحصر عدُّها … غدا كل راج سارحاً في سوامها

نمتهُ سَراة ٌ من ذؤابة هاشمٍ … رقتْ شامخاتِ المجد قبلَ فطامِها

ولاحَت نجوماً في سماءَ فخارِها … فأشرق فيها وهو بدر تمامها

أمولى الموالي شيخها وغلامها … وربَّ المعالي فذِّها وتَؤامِها

رقيت من العلياء أرفع ذروة ٍ … مقام ذكاءً والبدر دون مقامها

فأصبح لا يرجو لحاقِك لاحقٌ … بعلياك إلاَّ شانَها باهتضامِها

فدتك أناسٌ أنت أول عزها … ودولة ُ قومٍ كنت بَدءَ قِوامِها

يُناويكَ فيها جاهلٌ كلُّ همِّه … دراكك في سبل العلى واقتحامها

وهيهات كم جاراك جهلاً عصابة ٌ … فخلَّفتَها آنافها في رَغامها

وكم غابطٍ نُعماك لجَّ بجهله … ضلالاً وقد أوردته من جمامها

فأغضيت عنه صافحاً متفضلاً … وعادت عليه هاطلات انسجامها

وإنِّي على ما قد جنيتُ لواثقٌ … بسَهل السَّجايا منك لا بعُرامها

فهل تسعفني من رضاك بنظرة ٍ … تنال بها الآمال اقصى مرامها

يكاد يحلُّ اليأسُ نفسي لما بها … إذا نظرت فيما جنت باجترامها

وتطمعني أخلاقك الغر أنها … رياضٌ زهت أنوارها في كمامها

فكيف وقد منَّيتَني منك مُنية ً … بوعد أرى كلَّ المنى في استلامِها

وأنك ممن يسبق القول فعله … وكم من رجال فعلها في كلامها

وقُربي إليك ـ الدهرَ ـ أقصى مطالبي … وإن كثرت من روقها ووسامها

فخذها نظام الدين وابن نظامه … محبَّرة ً تزهو بحسن نِظامِها

ضننت بها عن كل سمعٍ وإنما … مديحك كان اليوم فض ختامها