لذي سلم والبان لولاك لم أهوى – ابن شهاب

لذي سلم والبان لولاك لم أهوى … ولا ازددت من سلع وجيرانه شجوى

ولولاك ما انهلت على الخد أدمعي … لتذكار ما الروحاء تحويه من أحوى

فأنت الحبيب الواجب الحب والذي … سريرة قلبي دائماً عنه لا تطوى

وأنت الذي لم أصب إلا لحسنه … ولم يَلْهُ عن ذكراه سري ولو سهوا

وحيث اتخذت القلب مثوى ومنزلا … ففتشه وانظر سيدي صحة الدعوى

أورى إذا شببت يا ظبي حاجر … بزينب أو سلمى وأنت الذي تنوى

وإني وإن نلت المنى منك نازحا … على البعد عن مغناك مولاي لا أقوى

أبى الحب إلا أن أذوب صبابة … وغصن شبابي كاد للبين أن يذوى

تحملت أثقالاً بها أطّ كاهلي … من الشوق لا يقوى على حملها رضوى

وبي بين أحناء الضلوع لواعج … تغادر في الأحشاء جمر الغضا حشوا

إلى مَ احتمالي بالنوى مضض الهوى … وحتى مَ أفلاذي بنا الجوى تشوى

ثكلت حياتي أن أقمت ولم أقُد … مطية عزمي نحو منزل من أهوى

خليلي من فهر أجيبا مناديا … إلى الفوز يدعو لا للبنى ولا علوى

وكونا لدى الترحال والحط رفقة … لنضو اشتياق يمتطي للسرى نضوا

فيا حبذا إزماعنا السير ترتمي … بنا اليعملات السهل والشقة الشجوا

بأرقالها نرمي الفجاج ونقطع الهضاب … ونطوي في سرانا بها الدوا

ونهوى بها والشوق يحدو قلوبنا … مجدين حتى نبلغ الغاية القصوى

وما الغاية القصوى سوى المنزل الذي … لحصبائه العيوق يغبط والعوا

رحاب بها القرآن والوحي نازل … وجبريل في أرجائها ينشر الألوا

بلاد بها خير البرية ضارب … سرادقة واختارها الدار والمثوى

مدينة خير المرسلين وخاتم النبيين … والهادي إلى الأقوم الأقوى

حبيب إله العرش مأمونه الذي … بغرته في الجدب تستمطر الأنوا

نبي براه الله من نور وجهه … وأوجد منه الكون جل الذي سوّى

وابرزه من خير بيت أرومة … وأطهره ذاتاً وأشرفه عزوا

لآباء مجد ينتمي ولأمّهات … عزنجيبات إلى أمّنا حوّا

وبانت لدى ميلاده ورضاعه … براهين آي لا ترد لها دعوى

ومنذ نشأ لم يصب قط ولم يزغ … ولم يأت محظوراً ولم يحضر اللهوا

إلى أن أتاه الوحي بالبعثة التي … برحمتها عم الحضارة والبدوا

فأضحت به الأكوان تزهو وتزدهي … ولا بدع أن تاهت سروراً ولا غروا

وأسرى به الرحمن من بطن مكة … إلى القدس يختال البراق به زهوا

فقدمه الرسل الكرام وهل ترى … لبكر العلا غير ابن آمنة كفوا

وزج به والروح يخدمه إلى … طباق السما والحجب من دونه تطوى

إلى الملأ الأعلى إلى الحضرة التي … بها ربه ناجاه يا لك من نجوى

فأولاه ما أولاه فضلاً ومنّة … وأشهده بالعين ما جل أن يروى

وفي النزلة الأخرى تجلى إلهه … لدى سدرة من دونهما جنة المأوى

فما كان أزهى ليلة قد سرى بها … وعاد ولما تبد من فجرها الأضوا

فأكرم بمن أضحى بمكة داعيا … وأمسى إلى عرش المهيمن مدعوا

أتى وظلام الشرك مرخ سدوله … وبالناس عن نهج الرشاد عمى أروى

فما زال يدعوهم بحكمة ربه … إلى اليمن والإيمان والبر والتقوى

وأصبح يتلو سيد الكتب بينهم … فيا لك من تال ويا لك متلوا

فأعجز ارباب البيان بديعه … وأخرسهم رغماً وألغى به اللغوا

تنبئهم عن كل علم سطوره … وتخبرهم بالغيب من آيه الفحوى

فصدقه أهل السوابق والأولى … أتيح لهم أن يشربوا كاسه صفوا

وكذّبه قوم عن الحق قد عموا … وصموا بإعجاب النفوس بالطغوى

فسفه أحلام المشائخ منهم … وآذوه لما عاب دينهم الألوى

فهاجر من بطحاء مكة سارياً … وباتت عيون القوم عن نوره عشوا

فما راعهم إلا الصباح وأن رأوا … على رأس كل منهم الترب محثوا

وأم مع الصديق أكالة القرى … تلين له الشجوى وتطوي له الفجوا

فشرف إذ وافى منازل طيبة … وسكانها والترب والماء والجوا

وَألقى عصا التسيار إذ أحسنوا له … وللمؤمنين الأوس والخزرج المأوى

وفيها فشا الإسلام وإنبجست بها … عيون الهدى والحق وانزاحت الأسوا

وناصره الأنصار فيها وآمنوا … به وارعووا عن جهلهم أحسن الرعوى

وقاتل من لم يدخل الدين طائعا … وشن على أعدائه الغارة العشوا

وفرق شمل المشركين بعزمه … ثبات فما اسطاعوا لتمزيقه رفوا

وقاد إليهم جحفلاً بعد جحفل … ووالى عليهم في ديارهم الغزوا

يصبحهم من صحبه بفوارس … يرون مذاق الموت إن جالدوا حلوا

يخوضون لج الهول علماً بأن من … نجا من حتوف الحرب تقتله الأدوا

مآثر تروي عن حنين وخيبر … وعن أحد والفتح والعدوة القصوى

ولم لا وهم في نصر من سبح الحصى … بكفيه والأشجار جاءت له حبوا

وكلمه ضب الفلاة وسلمت … عليه ولانت تحت أخمصه الصفوا

وحنّ إليه الجذع شوقاً وإننا … من الجذع أولى أن نحن وأن نجوى

فأي فؤاد لم يهم في وداده … وأية نفس لا تزال به نشوى

ولما شكى العافون ما حل عندما … بأنيابها عضّتهم ألسنة السنوا

دعا فاستهل الغيث سبعاً بصيب … مريع سقى سفل المنابت والعلوا

فأينعت الأثمار فيها وأخرجت … غثاء من المرعى لأنعامهم أحوى

وعم العباد الخصب وأنجاب عنهم … بدعوته البأساء والقحط واللأُوا

أتى ناسخاً دين اليهود وشرعه … النصارى وأحيا بالحنيفة الفتوى

فما لغلاة السبت أبدوا جحوده … عناداً وفي التوراة أنباؤه تروى

وما للنصارى أنكروا بعثة الذي … بأخباره الانجيل قد جاء مملوا

فبعداً لكم أهل الكتابين إنكم … ضللتم على علم وآثرتم الأهوا

ولا بدع أن يرضى العمي بالهدى من أرتضى … الفوم والقثاء بالمن والسلوى

ومن يبتغ التثليث ديناً فلن ترى … له أُذناً للحق واعية خذوا

ولو أنهم دانوا بدين محمد … وملته لاستوجبوا العز والبأوا

ألا يا رسول الله يا من بنوره … وطلعته يستدفع السوء والبلوى

ويا خير من شدّت إليه الرحال من … عميق فجاج الأرض تلتمس الجدوى

إليك اعتذاري عن تأخّر رحلتي … إلى سوحك المملوء عمّن جنى عفوا

على أن خمر الشوق خامرني فلم … يدع في عرقا لا يحن ولا عضوا

وإني لتعروني لذكراك هزة … كما أخذت سلمان من ذكرك العروا

وما غير سوء الحظ عنك يعوقني … ولكنني أحسنت في جودك الرجوا

وها أنا قد وافيت للروضة التي … بها نير الإيمان ما انفكَّ مجلوا

وقفت بذلي زائراً ومسلّما … عليك سلام الخاضع الرابع الشكوى

صلاة وتسليم على روحك التي … إليها جميع الفخر أصبح معزوّا

عليك سلام الله يا من بجاهه … ينال من الآمال ما كان مرجوا

عليك سلام الله يا من توجّهت … إلى سوحه الركبان تطوي الفلا عدوا

عليك سلام الله يا سيّداً سرت … بهيكله العضباء ترفل والقصوا

سلام على القبر الذي قد حللته … فأضحى بأنوار الجلالة مكسوا

إليك ابن عبد الله وافيت مثقلاً … بأوزار عمر مر معظمه لهوا

غفلت عن الأخرى وأهملت أمرها … وطاوعت غي النفس في زمن الغلوا

ومنك رسول الله أرجو شفاعة … تغادر مسود الصحائِف ممحوا

ولي في عريض الجاه آمال فائز … بما رامه من فيض فضلك مبدوا

ومن سِرِّك ابذر في فؤادي ذرة … لأرجع بالعلم اللدُنِّي محبوا

على عتبات الفضل أنزلت حاجتي … وتالله لا يمسي نزيلك مجفوا

وقد صح لي منك انتماء ونسبة … إليك لسان الطعن من دونها يكوى

وأنت الذي تأوي النزيل وتكرم السليل … وترعى الجار والصهر والحموا

وقد مسّني من أهل بيتي وبلدتي … أذى وكثير منهم أكثروا العدوا

فكن منصفي بالصبر ضاق نطاقه … وخذلي بحقي يا ابن ساكنة الأبوا

وقابل بألطاف القبول مديحة … مبرأة عن وصمة اللحن والإِقوا

بمدحك تزهو لا برونق لفظها … وترجو على الأتراب أن تدرك الشأوا

تؤمل أن يسقي محررها غدا … من الكوثر المورود كأساً بها يروى

وصلى عليك الله ما أنهل صيب … من المزن فاخضلت بجناته الجنوى

صلاة كما ترضى معطرة الشذا … تفوح بها في الكون رائحة الغلوى

ويسري إلى أرواح آلك سرها … وصحبك والأتباع في السر والنجوى