لحى الله دهراً لو يميل إلى العُتبى – حيدر بن سليمان الحلي
لحى الله دهراً لو يميل إلى العُتبى … لأوسعتُ بعد اليوم مسمعه عَتبا
ولكنه والشرُّ حشو إهابه … على شغبه إن قلتُ مهلاً يزدْ شغبا
له السوءُ لم يُلبس أخا الفضل نعمة ً … يسرُّ بها إلا أعدَّ لها السلبا
على الحرّ ملآنٌ من الضغن قلبه … فبالهمّ منه لم يزلْ ينحت القلبا
يطلُّ عليه كل يوم وليلة ٍ … بقارعة ٍ من صرفه تقلع الهضبا
كأنَّ كرامَ الناس في حلقه شجاً … وإلا قذى ً يُدمي لناظره غربا
فيلفظهم كيما يسيغَ شرابه … وتطبقُ عيناه على هدبه الهدبا
وحاربهم من غير ذنبٍ لنقصه … فلست أرى غيرَ الكمال له ذنبا
كأنَّ له يا أعدم الله ظلَّه … لديهم تراثاً فهو لا يبرح الحربا
وأصعبُ حربِ منه يومَ صروفُه … من الشرف السامي ارتقت مرتقى ً صعبا
تخطَّت حمى العلياء حتى انتهت به … إلى حرمٍ للخطب يشعره رُعبا
فما نهنهت دون الوقوف على خباً … ضر بن المعالي فوق رتبته حجيا
ولا صدرت إلا بنفسٍ نجيبة ٍ … عليها مدى الدهر العلى صرخت غضبى
وهوَّن فقدان النساء مؤنَّب … يعيب الأسى لو شئت أو سمعته ثلبا
وهوَّن فقدان الرجال وعنده … على زعمه فيما يرى هوَّن الخطبا
وما كلُّ فقدان النساء بهيِّن … ولا كلُّ فقدان الرجال يُرى صعبا
فكم ذات خدرٍ كان أولى بها البقَا … وكم رجل أولى بأن يسكن التربا
وغير ملومٍ من يبيتُ لفقده … كريمته يستشعر الحزنَ والندبا
فكم من أبٍ زانته عفة ُ بنته … وكم ولدٍ قد شانَ والدَه الندبا
فساقت بمأثور الحديث له الثنا … وساق بمأثور الملام له السبّا
بل الخطب فقدُ الأنجبين، ومن له … بذلك؟ لولا أنها تلد النجبا
وربّة ُ نسكٍ بضعة ٌ من محمدٍ … مضت ما زهت يوماً ولا اتخذت تربا
غداة قضى عن أهلها الدهر بعدها … وأوحشها من لا ترى من ذوي القربى
وأخرجها من عالم الكون مثلما … له دخلت، لم تقترف أبداً ذنبا
أحبَّ إلهُ العالمين جوارها … له فقضى بالموت منه لها قربا
حليفة ُ زهدٍ ما تصدَّت لزينة ٍ … ولا عرفتْ في الدهر لهواً ولا لعبا
وخبأها فرط الحياء فلم تكن … تصافحُ وجهَ الأرض أذيالها سحبا
فلو أنَّ عين الشمس تقسمُ أنها … لها ما رأت شخصاً لما حلفت كذبا
وغيرَ حجاب الخدر والقبر ما رأتْ … ولا شاهدت شرقاً لدنيا ولا غربا
فلم تُدر إلا بالسماع حياتُها … وجاء سماعاً أنها قضت النحبا
وأما هي العنقاء قلتَ فصادقٌ … ولكن مقام الاحترام لها يأبي
وما هي إلا بضعة ٌ منمحمدٍ … أجلُّ بني الدنيا وأعلاهم كعبا
وأرحبهم بيتاً، وأوسعهم قرى ً … وأطولهم باعاً وأرجحهم لبّا
رطيب ثرى ً منه تحيِّ وفودهُ … محيّاً بأنداء الحيا لم يزل رطبا
وتلمسُ منه أنملاً هنَّ للندى … سحائب فيها علِّم المطرُ السحبا
ولو نُسبتْ شهبُ السماء بأنها … بنوه إذن تاهتْ بنسبتها عجبا
غدا مركزاً للفضل ما لفضيلة ٍ … جى فلكٌ إلا وكان له قطبا
له حبَّبتْ كسبَ الثناء سجيّة ٌ … بها وهو طفلٌ نفسه شغفت حبّا
وأحرزها عبدُ الكريم شقيقه … فأصبح في كسب الثنا مغرماً صبّا
على أنه البحرُ المحيط وولده … جداول جودٍ كان موردُها عذبا
رضا الفخر هادى المكرمات ومصطفى … جميع بني العلياء ندبٌ حكى ندبا
غطارفة ٌ زهرُ الوجوه لو أنهم … بها قابلو أشهب السما أطفأ الشهبا
بني المصطفى أنتم معادن للتقى … وأرجح أرباب النهى والحجى لبا
رقى صبركم أفعى الخطوب فلم تكن … لتضجركم يوماً ولو أوجعت لسبا
فلا طرقتكم نكبة ٌ بعد هذه … ولا ساور التبريحُ يوماً لكم قلبا