لا يحزن الله الأمير فإنني – المتنبي

لا يُحْزِنِ الله الأميرَ فإنّني … لآخُذُ مِن حَالاتِهِ بِنَصِيبِ

وَمَن سَرّ أهْلَ الأرْضِ ثمّ بكَى أسًى … بكَى بعُيُونٍ سَرّهَا وَقُلُوبِ

وَإنّي وَإنْ كانَ الدّفينُ حَبيبَهُ … حَبيبٌ إلى قَلْبي حَبيبُ حَبيبي

وَقَدْ فارَقَ النّاسَ الأحِبّةُ قَبْلَنَا … وَأعْيَا دَوَاءُ المَوْتِ كُلَّ طَبيبِ

سُبِقْنَا إلى الدّنْيَا فَلَوْ عاشَ أهْلُها … مُنِعْنَا بهَا مِنْ جَيْئَةٍ وَذُهُوبِ

تَمَلّكَهَا الآتي تَمَلُّكَ سَالِبٍ … وَفارَقَهَا المَاضِي فِراقَ سَليبِ

وَلا فَضْلَ فيها للشّجاعَةِ وَالنّدَى … وَصَبْرِ الفَتى لَوْلا لِقاءُ شَعُوبِ

وَأوْفَى حَيَاةِ الغَابِرِينَ لِصاحِبٍ … حَياةُ امرِىءٍ خَانَتْهُ بَعدَ مَشيبِ

لأبْقَى يَمَاكٌ في حَشَايَ صَبَابَةً … إلى كُلّ تُرْكيّ النّجارِ جَليبِ

وَمَا كُلّ وَجْهٍ أبْيَضٍ بِمُبَارَكٍ … وَلا كُلّ جَفْنٍ ضَيّقٍ بنَجِيبِ

لَئِنْ ظَهَرَتْ فِينَا عَلَيْهِ كآبَةٌ … لقَدْ ظَهَرَتْ في حَدّ كُلّ قَضِيبِ

وَفي كُلِّ قَوْسٍ كلَّ يَوْمِ تَنَاضُلٍ … وَفي كلِّ طِرْفٍ كلَّ يَوْمِ رُكوبِ

يَعِزّ عَلَيْهِ أنْ يُخِلّ بِعادَةٍ … وَتَدْعُو لأمْرٍ وَهْوَ غَيرُ مُجيبِ

وَكنتَ إذا أبْصَرْتَهُ لكَ قَائِماً … نَظَرْتَ إلى ذي لِبْدَتَينِ أديبِ

فإنْ يَكُنِ العِلْقَ النّفيسَ فَقَدْتَهُ … فَمِنْ كَفّ مِتْلافٍ أغَرّ وَهُوبِ

كَأنّ الرّدَى عادٍ عَلى كُلّ مَاجِدٍ … إذا لمْ يُعَوِّذْ مَجْدَهُ بِعُيُوبِ

وَلَوْلا أيادي الدّهْرِ في الجَمْعِ بَينَنا … غَفَلْنَا فَلَمْ نَشْعُرْ لَهُ بذُنُوبِ

وَلَلتّرْكُ للإحْسَانِ خَيْرٌ لمُحْسِنٍ … إذا جَعَلَ الإحسانَ غَيرَ رَبيبِ

وَإنّ الذي أمْسَتْ نِزارُ عَبِيدَهُ … غَنيٌّ عَنِ اسْتِعْبَادِهِ لِغَرِيبِ

كَفَى بصَفَاءِ الوُدّ رِقّاً لمِثْلِهِ … وَبالقُرْبِ مِنْهُ مَفْخَراً للَبيبِ

فَعُوّضَ سَيْفُ الدّوْلَةِ الأجْرَ إنّهُ … أجَلُّ مُثَابٍ من أجَلّ مُثِيبِ

فَتى الخَيلِ قَدْ بَلّ النّجيعُ نحورَها … يُطاعِنُ في ضَنْكِ المَقامِ عَصِيبِ

يَعَافُ خِيَامَ الرَّيْطِ في غَزَواتِهِ … فَمَا خَيْمُهُ إلاّ غُبَارُ حُرُوبِ

عَلَيْنَا لَكَ الإسْعادُ إنْ كانَ نَافِعاً … بِشَقِّ قُلُوبٍ لا بِشَقّ جُيُوبِ

فَرُبّ كَئيبٍ لَيسَ تَنْدَى جُفُونُهُ … وَرُبّ نَدِيِّ الجَفْنِ غَيرُ كَئيبِ

تَسَلَّ بفِكْرٍ في أبَيْكَ فإنّمَا … بكَيْتَ فكانَ الضّحكُ بعدَ قَريبِ

إذا استَقبَلَتْ نَفسُ الكريمِ مُصابَها … بخُبْثٍ ثَنَتْ فاسْتَدْبَرَتْهُ بطيبِ

وَللواجِدِ المَكْرُوبِ مِن زَفَراتِهِ … سُكُونُ عَزاءٍ أوْ سُكونُ لُغُوبِ

وَكَمْ لَكَ جَدّاً لمْ تَرَ العَينُ وَجهَهُ … فَلَمْ تَجْرِ في آثَارِهِ بغُرُوبِ

فَدَتْكَ نُفُوسُ الحاسِدينَ فإنّها … مُعَذَّبَةٌ في حَضْرَةٍ ومَغِيبِ

وَفي تَعَبٍ مَن يحسُدُ الشمسَ نورَها … وَيَجْهَدُ أنْ يأتي لهَا بضَرِيبِ