لانت صلاب العزائم – جبران خليل جبران

لانت صلاب العزائم … وانبت عقد العظائم

قضى حبيب المعالي … قضى عدو المظالم

قضى فتى الحلم والبأس … والعلى والمكارم

عصر طواه وشيكا … هذا القضاء الداهم

وأمة من سجايا … بادت كأحلام حالم

في كل مجمع فضل … قامت عليه المآتم

ماذا دهى العلم فيه … وكان أعمل عالم

ألم بالطب ريب … كأنه فأس هادم

وصح في كل نفس … أن الحجى غير عاصم

برغم كل شجاع … يا شبل أنك راغم

فوجئت حتفا وهذا … أولى بعز الضايغم

فاليوم تسكن كرها … والدهر حولك قائم

قيام بحر تلاقى … حبابه والغمائم

غريقه مطمئن … وموجه متلاطم

ما كان منك بعهد … هذا الجمود الدائم

بعدا لجهاد تواليه … دائبا غير سائم

وبعد غر مساع … للحمد غير ذمائم

يا ساكن الرمس ضيقا … وكان وسع المعالم

لعل قلبك فيه … يقظان والجفن نائم

سر أسائل عنه … يوم النوى كل حازم

فيما يحير جوابا … يزيل حيرة واجم

أتستريح وقد كنت … ضامنا للمغارم

قد بت أتعب ما بات … دون حق مخاصم

ورحت أيأس ما راح … زائر للمآتم

في قيد خز رقيق … وقدتفك الأداهم

تركت دنياك نارا … شبت على يد غاشم

أضحت مجال منايا … بين الجيوش الخضارم

وكنت سلم التآخي … فيها وحرب السخائم

تستنهض العقل والعدل … والشعوب الجواثم

على محلا لمعاصي … ومستبيحا لمحارم

تشكو أسى لنهاب … يزعمن بعض الغنائم

تلوم كل مليم … إذ ليس في الخلق لائم

وما برحت وفيا … لكل خل مخالم

وما برحت معينا … أخاك والوقت عارم

إن أقبل الدهر يوما … اقسمت كل مقاسم

لا مبقيا لك إلا … ادنى نصيب المساهم

وإن منيت بعدم … فما مرجيك عادم

بيت الشفاء مزار … يؤمه كل رائم

ما ينثني عنه ماض … حتى يوافي قادم

للداء فيه دواء … وللجراح مراهم

لا حسبة الله لكن … جود ورحمة راحم

من أريحي عظيم … ما كان بالمتعاظم

يشفي الجسوم ويلقي … عن العقول الشكائم

يبغي هدى كل قوم … إلى الصلاح الملائم

ولا يضن بنصح … ثبت ورأي حاسم

كأنما في يديه … برق على الطرس راقم

آيات نثر مبين … تجلى وأبيات ناظم

مرام كل حكيم … ومتقى كل حاكم

تغشى الحقائق فيها … حينا مخيلات واهم

لله أنت وهم … مبرح متقادم

من اجل قومك كم بت … في ليال جواهم

ما إن يفرج بث … من كربك المتفاقم

وما تني في جهاد … له الرجاء ملازم

تلك البلاد الغوالي … على الحماة الصلادم

تزداد لهفا عليها … ما ازداد فيها الجرائم

تأبى لها الضيم ما في … يديك والدهر ضائم

لولاه والجهل أعني … لم يبق في الأرض ظالم

يا من مضى عن ثناء … ملء النفوس الكرائم

قد أوطنت في خلود … ذكراك بين العوالم

جرت بها فلك نور … على الدموع السواجم

إلى شواطيء مجد … منورات بواسم

فلم يزل يوم ذاك الرجيل … بين المواسم

سقت ثراك غيوث … مخضلة بالمراحم