كيف أنسى – عبدالله البردوني

هيهات أن أنسى هواك و كلّما … حاولت أن أنسى ذكرتك مغرما

يا للشجون و كيف أنسى و الأسى … يقتات أوصالي و ينتزف الدما

يا أخت روحي و ابتسام طفولتي … و بكا شبابي – آه . ما ألقى و ما

خلّفتني وحدي ألوك حشاشتي … أسفا و أفنى حرقة و تضرّما

وحدي مع الأمل الذبيح تطوف بي … ذكر متيّمة يشقن متيّما

و اليوم إنّي حول قبرك صامت … أقتات من جوعي و أستسقي الظما

و أقبّل القبر الحبيب و منيتي … لو أنّ لي في كلّ جارحة فما

و أسائل الصمت الرهيب كأنّني … جوعان محتضر يسائل معدما

يا من أناديها و يخنقني البكا … و يكاد صمت الدمع أن يتكلّما

فارقت في مثواك رفق أبوّتي … و فقدت عطف الأم فيك مجسّما

يا قلبي الدامي و آه و أين من … فاضت عليّ عواطفا و ترحّما

غابت و غبت و كلّما فارقتها … لاقيتها في الذكريات توهّما

مالي أناجيها و كيف و كلّما … ناجيتها ناجيت قبرا أبكما

وافيت قبرك و السكون يلفّه … و سكينة الأجداث تحيي المأتما

فسألت وارتجف السؤال متى اللّقا … فعصى الجواب لسانه و تلعثما

فذكرت أنّ الموت خاتمة اللّقا … فقلت آمالي و ليت و ربّما

و تألّمت روحي ووجداني إلى … أن كادت الآلام أن تتألّما

يا روع قلبي كيف أنسى روضة … حضنت صبا عمري فرفّ منعّما

كم دلّلتني بالحنان و لم تكن … أمّي و قد كانت أرقّ و أرحما

حتّى عميت فكاد يعميها البكا … و حنانها الباكي يشاركني العمى

كم صارعت عنت الخطوب و ما مضت … من ظالم إلاّ تلقّت أظلما

و مشت على شوك الحياة و هولها … و كأنّها كانت تدوس جهنّما

فرمت إلى حضن الممات كيانها … و تبدّلت بالكدّ عيشا أنعما

و تبرّمت بحياتها الضنكى و من … برمت به متع الحياة تبرّما

و حييت بعد مماتها ميت الهنا … حيّا أموت تأوّها و تألّما