كم قتيل كما قتلت شهيد – المتنبي

كمْ قَتيلٍ كمَا قُتِلْتُ شَهيدِ … لِبَياضِ الطُّلَى وَوَرْدِ الخُدودِ

وَعُيُونِ المَهَا وَلا كَعُيُونٍ … فَتَكَتْ بالمُتَيَّمِ المَعْمُودِ

دَرَّ دَرُّ الصَّبَاءِ أيّامَ تَجْرِيـ … ـرِ ذُيُولي بدارِ أثْلَةَ عُودِي

عَمْرَكَ الله هَلْ رَأيتَ بُدوراً … طَلَعَتْ في بَراقِعٍ وعُقُودِ

رَامِياتٍ بأسْهُمٍ رِيشُها الهُدْ … بُ تَشُقّ القُلوبَ قبلَ الجُلودِ

يَتَرَشّفْنَ مِنْ فَمي رَشَفَاتٍ … هُنّ فيهِ أحْلى مِنَ التّوْحيدِ

كُلُّ خُمْصَانَةٍ أرَقُّ منَ الخَمْـ … ـرِ بقَلْبٍ أقسَى مِنَ الجُلْمُودِ

ذاتِ فَرْعٍ كأنّما ضُرِبَ العَنْـ … ـبَرُ فيهِ بمَاءِ وَرْدٍ وَعُودِ

حالِكٍ كالغُدافِ جَثْلٍ دَجُو … جيٍّ أثيثٍ جَعْدٍ بلا تَجْعِيدِ

تَحْمِلُ المِسْكَ عن غَدائرِها الرّيـ … ـحُ وَتَفْتَرُّ عَن شَنيبٍ بَرُودِ

جَمَعَتْ بينَ جسْمِ أحمَدَ والسّقْـ … ـمِ وَبَينَ الجُفُونِ وَالتّسْهِيدِ

هَذِهِ مُهْجَتي لَدَيْكِ لحَيْني … فانْقُصِي مِنْ عَذابِها أوْ فَزيدي

أهْلُ ما بي منَ الضّنَى بَطَلٌ صِيـ … ـدَ بتَصْفيفِ طُرّةٍ وبجيدِ

كُلُّ شيءٍ مِنَ الدّماءِ حَرامٌ … شُرْبُهُ مَا خَلا ابْنَةَ العُنْقُودِ

فاسْقِنيهَا فِدًى لعَيْنَيْكَ نَفسي … مِنْ غَزَالٍ وَطارِفي وَتليدي

شَيْبُ رَأسِي وَذِلّتي ونُحولي … وَدُمُوعي عَلى هَوَاكَ شُهُودي

أيّ يَوْمٍ سَرَرْتَني بوِصالٍ … لمْ تَرُعْني ثَلاثَةً بِصُدُودِ

مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ … كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ

مَفْرَشِي صَهْوَةُ الحِصانِ وَلَكِـ … ـنّ قَميصِي مسرُودَةٌ مِنْ حَديدِ

لأمَةٌ فاضَةٌ أضَاةٌ دِلاصٌ … أحْكَمَتْ نَسْجَها يَدَا داوُدِ

أينَ فَضْلي إذا قَنِعْتُ منَ الدّهْـ … ـرِ بعَيْشٍ مُعَجَّلِ التّنكيدِ

ضاقَ صَدري وطالَ في طَلبِ الرّزْ … قِ قيامي وَقَلّ عَنهُ قُعُودِي

أبَداً أقْطَعُ البِلادَ وَنَجْمي … في نُحُوسٍ وَهِمّتي في سُعُودِ

وَلَعَلّي مُؤمّلٌ بَعْضَ مَا أبْـ … ـلُغُ باللّطْفِ من عَزيزٍ حَميدِ

لِسَرِيٍّ لِباسُهُ خَشِنُ القُطْـ … ـنِ وَمَرْوِيّ مَرْوَ لِبْسُ القُرُودِ

عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ … بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ

فَرُؤوسُ الرّمَاحِ أذْهَبُ للغَيْـ … ـظِ وَأشفَى لِغلّ صَدرِ الحَقُودِ

لا كَما قد حَيِيتَ غَيرَ حَميدٍ … وإذا مُتَّ مُتَّ غَيْرَ فَقيدِ

فاطْلُبِ العِزّ في لَظَى وَدَعِ الذّ … لّ وَلَوْ كانَ في جِنانِ الخُلُودِ

يُقْتَلُ العاجِزُ الجَبَانُ وقَدْ يَعـ … ـجِزُ عَن قَطْع بُخْنُقِ المَولودِ

وَيُوَقَّى الفَتى المِخَشُّ وقَدْ خوّ … ضَ في ماءِ لَبّةِ الصّنْديدِ

لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي … وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي

وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّا … دَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ

إنْ أكُنْ مُعجَباً فعُجبُ عَجيبٍ … لمْ يَجدْ فَوقَ نَفْسِهِ من مَزيدِ

أنَا تِرْبُ النّدَى وَرَبُّ القَوَافي … وَسِمَامُ العِدَى وغَيظُ الحَسودِ

أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّـ … ـهُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ