كل شيء هادئ تماماً في ظهيرة البصرة – عدنان الصائغ

فصل رابع

“… وإنّي وتهيامي بعزةَ بعدما

تخلّيتُ عمّا بيننا وتخلّتِ

لكالمرتجي ظلَّ السَحابةِ كلّما

تبوّأَ منها للمقيلِ اضمحلّتِ”

كثير عزة

ظهيرة البصرة، ولا ملاذَ غير ظلِّ القنابلِ وأكياسِ الرملِ

ظهيرة صمتكِ، ولا ملاذَ غير ظلِّ الكلامِ

ظهيرة قلبي، وأنتِ على الشُرفةِ

تنشرين أيّامنَا على حبلِ غسيلِ النسيانِ

لتَجِفَّ..

قالتْ:

أرادوا أنْ يصادروا أحلامنَا كلَّ يومٍ

ويفردوا كفَّينا المتشابكتين، إصبعاً، إصبعاً

قلتُ لها:

ستظلُّ الشوارعُ ملكنا،

وهذا الشجرُ المتطاولُ، والمصطباتُ، وهذا الأفقُ المفتوحُ

على اتساعِ عينيكِ الواسعتين ..

سيظلُّ لنا كلُّ شيءٍ..

اطْمئِنِّي..

ما دُمْنا نملكُ ورقةً، وحنيناً بحجمِ العالم

…….

ظهيرة البصرة..

القنابلُ تأخُذُ قيلولتها ..

فقدْ تَعِبَتْ طيلةَ ثمانية أعوامٍ من الركضِ في أزِقَّةِ الحربِ..

بحثاً عن عنواني..

شكراً للصدفةِ، فهي وحدها التي أبقتني في الحربِ بلا عنوانٍ..

شكراً لكافافي فهو وحدهُ الذي قالَ لي، وأنا أعدُّ حقائبي:

(ما دُمْتَ قد خُرّبتْ حياتكَ في هذا الرُكْنِ الصغيرِ من العالمِ فهي خرابٌ أينما حللتْ..)

شكراً للتلمساني، شمس الدين بن عفيف، فهو وحدهُ الذي اختصرني هكذا:

رأى، فحبَّ، فرامَ الوصلَ، فامتنعتْ،

فسامَ صبراً، فأعيا نَيلَهُ، فقضى

……………

ظهيرة البصرة..

كلُّ شيءٍ هاديءٌ تماماً

وحدها ذكرياتكِ وعزلتي يحاصرانني من كلِّ الجهات..