قضى وما قضيت منكم لباناتُ – ابن نباتة المصري

قضى وما قضيت منكم لباناتُ … متيمٌ عبثت فيهِ الصبابات

ما فاض من جفنه يومَ الرحيل دمٌ … الا وفي قلبه منكم جراحات

غبتم فغابت مسراتُ القلوبِ فلا … أنتم بزعمي ولا تلك المسرات

أحبابنا كل عضو في محبتكم … كليمُ وجدٍ فهل للوصل ميقاتُ

يا حبذا في الصبا عن حيكم خبرٌ … وفي بروق الغضا منكم اشارات

وحبذا زمنُ اللهوِ الذي انقرضت … أوقاته الغرّ والأعمال نيّات

حيثُ المنازلُ روضاة ٌ مدبجة ٌ … وحيثُ جاراتها غيثٌ سحابات

أيام ما شعرَ البينُ المشتّ بنا … ولا خلت من مغاني الانس أبيات

حيثُ الشبابُ قضاياهُ منفذة ٌ … وحيثُ لي في الذي أهوى ولا يات

وحيث أسعى لاوطان الصبى مرحاً … ولي على حكم أيامي ولا يات

وربّ حانة ِ خمارٍ طرقتُ ولا … حانت ولا طرقت للقصف حانات

سبقت قاصد مغناها وكنت فتى ً … إلى المدامِ له بالسبقِ عادات

أعشو الى ديرها الأقصى وقد لمعت … تحت الدجى فكأن الدير مشكاة

واكشف الحجبَ عنها وهي صافية ٌ … لم يبق في دنها إلا صبابات

راحٌ زحفت على جيشِ الهمومِ بها … حتى كأن سنا الأكواب رايات

وبتّ أجلو على الندمان رونقها … حتى أصبحوا من قبل ماباتوا

مصونة السر ماتت دون غايتها … حاجاتُ قوم وللحاجاتِ أوقات

تجولُ حولَ أوانيها أشعتها … كأنما هي للكاسات كاسات

وتصبج الشرب صرعى دون مجلسها … وهي الحياة كأن الشربَ أموات

تذكرت عند قومٍ دوس أرجلهم … فاسترجعت من رؤس القوم ثارات

واستضحكت فلها في كل ناحية ٍ … هبات حسن وفي الآناف هبات

كأنها في أكفّ الطائفين بها … نارٌ تطوف بها في الأرض جنات

من كل أغيدَ في ديناروجنته … توزعت من قلوب الناس حبات

مبلبل الصدغ طوع الوصل منعطف … كأن أصداغه للعطف واوات

ترنحت وهي في كفيه من طربٍ … حتى لقد رقصت تلك الزجاجات

وقمت أشرب من فيهِ وخمرتهِ … شرباً تشنّ به في العقل غارات

وينزلُ اللثمُ خديه فينشدها … هي المنازلُ لي فيها علامات

سقياً لتلك اللييلاتِ التي سلفت … فإنما العمرُ هاتيك اللييلات

تقاصرت عن معاليها الدهور كما … تقاصرت عن كمال الدين سادات

حبرٌ رأينا يقينَ الجود من يدهِ … وأكثرُ الجود في الدنيا حكايات

محجب العزّ في أيام سؤددهِ … للعز محوٌ وللأمداح إثبات

سما على الخلق فاستسقوا مواهبه … لا غروَ أن تسقيَ الأرض السموات

واستشرف العلم مصقولاً سوالفه … بدهره وزهت لليمن وجنات

واستأنف الناسُ للأيام طيب ثناً … من بعد ما كثرت فيها الشكايات

لا يختشي موتَ نعمى كفه بشرٌ … كأنّ أنعمهُ للخلقِ أقوات

ولا تزحزحُ عن فضلٍ شمائلهُ … كأنها لبدورِ الفضلِ هالات

يا شاكي الدهرِ يممهُ وقد غفرت … من حول أبوابه للدهر زلاّت

ويا أخا الذنبِ قابل عفوه أمماً … أيان لا ملجأ أو لا مغارات

ولا يغرنك غفران فتغمره … فللعقار على لين شرارات

ويا فتى العلم إن أعيتك مشكلة ٌ … هذا حماه المرجى والهدايات

ويا أخا السعي في علم وفي كرم … هذي الهدايا وهاتيك الهدايات

لا تطلبنّ من الأيامِ مشبههُ … ففي طلابك للأيام إعنات

ولا تصخ لأحاديث الذين مضوا … ألوى العنان بما تملى الروايات

طالع فتاويه واستنزل فتوتهُ … تلقَ الافاداتِ تتلوها الإفادات

وحبر الوصف في فضلٍ بأيسره … تكاد تنطقُ بالوصفِ الجمادات

فتى ً تناولَ صحفَ المجد أجمعها … من قبل ما رقمت في الخدّ خطّات

حامي الديار بأقلامٍ مسددة … تأخر الشك عنها والغوايات

حامي الذّمار بأقلام لها مددٌ … من الهدى واسمه في الطرس مدّات

قويمة تمنع الاسلام من خطر … فأعجب لها ألفات وهي لامات

تعلمت بأس آساد وصوب حياً … منذ اغتدت وهي للآساد غابات

وعودت قتل ذي زيغ وذي خطل … كأنها من كسير الحظّ فضلات

وجاورت يد ذاك البحر فابتسمت … هنالك الكلماتُ الجوهريات

لفظٌ تشف عن المعنى لطافته … كما تشفّ عن الراح الزجاجات

عوّذ بياسينَ أطراساً براحته … فيها من الزخرف المشهودِ آيات

واستجلِ منطقة الأعلى وطاعته … تجلى الشكوك ولا تشكى الدجنات

أغرّ يهوى معادَ الذكر عنه اذا … قيل المعادات أخبارٌ معادات

تعجّ طلابه من حول ساحته … فما تفهّمُ من ناديه أصوات

وفدٌ وخيلٌ وآبالٌ محبرة … مدحاً قد اختلفت فيه العبارات

اذا تعمق في نعماءَ ضاعفها … كأنّ كلّ نهاياتٍ بدايات

وان خطا للمعالي خطوة ً بهرت … كأنّ أولَ ما يخطوه غايات

لا عيبَ فيه سوى علياء معجزة … فيها لأهل العلى قدماً نكايات

يجري دمُ التبرِ للنزالِ بعدهمُ … هذا هو الجود لانابٌ ولا شاة

ويجتلى من سجاياه التي اشتهرت … للضدّ هلكٌ وللمعتزّ منجاة

فلا وقاية َ تحمي وفدَ راحته … بلى على عرضه الأنقى وقايات

ولا مثالَ لما شادت عزائمه … إلا اذا نيلت الشهبُ المنيرات

في كل يوم دروسٌ من فوائده … ومن بواديء نعماه إعادات

صلى وراءَ إياديهِ الحياء فعلى … تلك الأيادي من السحب التحيات

وصدّ عما يروم اللوم نائله … فما تفيد ولا تجدي الملامات

يرامُ تأخيرُ جدواه وهمتهُ … تقول إيهاً فللتأخير آفات

من معشر نجب ماتوا وتحسبهم … للمكرمات وطيب الذكر ما ماتوا

ممدحين لهم في كل شارقة ٍ … برٌّ وتحت سجوف الليل إخبات

لا تشتكي الجور الا من تعاندهم … ولا تذمهمُ في المحلِ جارات

ولا تسوق رياح المزن أيسر ما … ساقته تلك النفوس الأريحيات

بيتٌ أتمته أوصافُ الكمال كما … تمت بقافية المنظوم أبيات

ما روضة قلدت إحياء سوسنها … من السحاب عقودٌ لؤلؤيات

وخطتِ الريحُ خطاً في مناهلها … كأن قطرَ الغوادي فيه جريات

وللجداولِ تصفيقٌ بساحتها … والقطر روضٌ وللأطيار رنات

يوماأ بأبهج من أخلاقه نظراً … أيامَ تنكر أخلاقٌ سريات

ولا الغيوثُ بأسخى من عوائده … أيام تعيي السجيات السخيات

ولا الشموس بأجلى من فضائلهِ … أيام تدجو الظنون اللوذعيات

ولا النجوم بأنآى من مراتبه … أيام تقتصر الأيدي العليات

قدرٌ علا فرأى في كل شمس ضحى ً … جماله فكأن الشمس مرآة

وهمة ٌ ذكرها سارٍ وأنعمها … فحيثما كنت أنهارٌ وروضات

يا ابن المدائح إن أمدح سواك بها … فتلك فيهم عوارٍ مستردات

لي نية ٌ فيك إذ لي فيهمُ كلمٌ … وانما لبني الأعمال نيات

الله جارك من ريب الزمان لقد … تجمعت للمعالي فيك أشتات

جاورت بابك فاستصلحت لي زمني … حتى صفا وانقضت تلك العداوات

ولا طفتني الليالي فهي حينئذ … من بعد أهليَ عماتٌ وخالات

ونطقتني الأيادي بالعيون ثنى ً … فللكواكب كالآذان إنصات

وبتّ لا أشتكي حالاً اذا شكيت … في باب غيرك أحوال وحالات

إلا ذوي كلمٍ لو أنّ محتسباً … تكلمت من جميع القوم هامات

يزاحمون بأشعارٍ ملفقة ٍ … كأنها بين أهلِ الشعرِ حشوات

ويطرحون على الأبواب من حمقٍ … قصائداً هي في التحقيق بابات

من كل أبلهَ لكن ما لفطنته … كالبلهِ في هذه الدنيا إصابات

يحمّ حين يعاني نظمَ قافية ٍ … عجزاً فتظهرها تلك الخرافات

ويغتدي فكره المكدودُ في حرقٍ … وقد أحاطت بما قال البرودات

وقد يجيء بمعنى بعد ذا حسنٍ … لكن على كتفيه منه كارات

أعيذُ مجدك من ألفاظهم فلها … جنى ً كأنّ معانيهم جنايات

لا يغرهم بندى ً يأتيهمُ فكفى … مدحاً بأن يتأتى منك إنصات

ان لم تفرق بفضل بين نظمهمُ … وبين نظمي فما للفضل لذات

حاشاك أن تتساوى في جنابك من … قصائدِ الشعر سوآتٌ وجبهات

خذها عروساً لها في كل جارحة ٍ … لواحظٌ وكؤسٌ بابليات

أوردت سؤددك الأعلى مواردها … وللسها في بحار الأفق عبّات

شماء يركعُ نظمُ الناظمين لها … كأنما ألفاتُ الخط دالات

نعم الفتى أنت يستصغى الكلام له … حتى تسير له في العقل سورات

ويطرب المدحُ فيه حين أكتبه … كأن منتصب الأقلامِ نايات

ما بعد غيثك غيثٌ يستفاد ولا … من بعد إثبات قولي فيك إثبات

خصصت بالمدح اللاتي قد ارتفعت … مني الثناء ومن نعماك آلات

فسد وشد وابقَ ما دام الزمانُ ففي … بقياك للدين والدنيا عنايات

حزت المحامد حتى ما لذي شرفٍ … من صورة ِ الحمدِ لا جسمٌ ولا ذات