فجع القريض وقد ثوى حسان – جبران خليل جبران

فجع القريض وقد ثوى حسان … وخلا ببيت المقدس الميدان

جزعت فلسطين وقبل رداه لم … يجزع لرزء قومها الشجعان

إن بان شاعرهم فإر فعالهم … شعر وما الأبحار والأوزان

أبطال صدق ما بهم من لوثة … يوم الحفاظ وما لهم اقران

إن تكد من أحسابهم ربوعهم … زادوا وإن تكد المحاسن زانوا

من لا يحييهم ويرفع ذكرهم … ممن عليه تكرم الأوطان

أمم العروبة شاطرتهم حزنهم … أو ما بنوها كلهم إخوان

وأشد ما ربطت أواصر رحمة … في الأهل أن تتقاسم الأحزان

لا بدع في بث الكنانة شجوها … وكرام جيرتها بهم أشجان

ترثي فقيدهم رثاء فقيدها … ويشف عما تضمر الإعلان

خطب العروبة في أبي إقبالها … قد عز فيه الصبر والسلوان

فقدت به العون الدؤوب وربما … أغنى إذا ما فاتها الأعوان

من يحكم الإفناء بعد سليمه … وبه الرضى وغليه الاطمئنان

أعلم يجلوه لأرباب النهى … والحق يسطع فيه والبرهان

تبكي القوافي من له إبداعه … فيها وذاك الوشي والاتقان

نظم الفوائد في بديعات الحلى … لا الدر يعدله ولا العقيان

ولقد يزف إلى الملوك قلائدا … فتغار من إشراقها التيجان

في شرعه نفحات طيب خالد … لم يؤتها ورد ولا ريحان

يسقي المنى من جفنة علوية … فالقلب صاح والحجى نشوان

أما ترسله ففيه طرائف … راقت معانيها وشاق بيان

أبكار فضل تستبيك وربما … وقر الجمال وفعله فتان

لله مقولة الفصيح إذا علا … بين المحافل صوته الرنان

وبوادر ونوادر من قوله … ليست تمل سماعها الآذان

دع ذلك الأدب الرفيع وما به … من كل لون مونق يزدان

واذكر مناقب حرة عربية … سارت بسيب حديثها الركبان

من عفة ومروءة وصداقة … لم يبلها في غيره الخدان

أكرم به بين الأولى بلغوا العلى … بنفوسهم ونماهم عدنان

ودعته قبل الرحيل وسلوتي … أمل الإياب فخانه الحدثان

ما هذه الدنيا وما أوطارنا … عند الزمان وإنه لزمان

وسع الماني التي تلهو بها … هل من تجاريب الصروف أمان

أدى به حرم إلى حرم ولم … يقعده ما يتجشم الجثمان

فقضى قريضة حجه يحتثه … شوق ويحدو ركبه الايمان

متزودا بالصالحات وزاده … من خبر ما يتقبل الرحمن

فأقر في البيت العتيق قراره … وبه تجلى العفو والرضوان

هذا هو الفوز العظيم وهكذا … يغلو الجزاء إذا غلا الإحسان

لطف أساك أبا المحاسنط ما النوى … في الله نأي إنها قربان