غرامكِ لا يبقى على نفسِ إنسانِ – مصطفى صادق الرافعي

غرامكِ لا يبقى على نفسِ إنسانِ … فسلهُ لماذا غالَ قلبي وأبقاني

أفي كلِّ يومٍ لي من الحبِّ حسرةٌ … وحزنٌ وقد ضاقَ الفضاءُ بأحزاني

وها أنا ذا بينَ الصبابةِ والصبا … تجاذبني الأولى فيدفعني الثاني

ولم يبقِ من جسمي الهوى غير ذرةٍ … كما أبقتِ الكاساتُ من عقلِ نشوانِ

أكادُ لذاكَ الحيِّ إن مرتِ الصبا … أطيرُ وإنْ لم يحتملني جناحانِ

وتنظرُ هذي الشمسُ عيني كأنها … وقد أذكرتني حسنَ وجهكَ شمسانِ

هم عبدوها في الجمالِ ضلالةً … ويمنعني من مثلِ ذلكَ إيماني

على أنهم ذلوا لسلطانِ حسنها … وحسنكَ سلطانٌ على كلِّ سلطانِ

فقالوا حكيتَ الظبيَ جيداً ولفتةً … وأشبهتَ غصنَ البانِ في هيفِ البانِ

وأقسمُ ما الغزلانُ في لفتاتها … ولا هيفُ الأغصانِ إلا الشبيهانِ

لكَ الحسنُ من كلِّ الحسانِ وللذي … يحبكَ في أشعارهِ كلُّ إحسانِ

وأنتَ الذي قربتَ من جسمي الضنا … وأنتَ الذي باعدتَ ما بينَ أجفاني

فإن قيلَ عني أنهُ ماتَ عاشقاً … فقلْ لهم ما رحمةُ الميتِ من شاني

إذا كنتَ لا ترثي وفيَّ بقيةٌ … فكيفَ إذا ماأدرجوني بأكفاني

وإن يقرأ العذالُ ما أنا كاتمٌ … فقد خطَّ في خديَّ بالدمعِ سطرانِ

ولو شئتَ لم يدروا بما دارَ بيننا … ولو أن حسادي عليكَ من الجانِ

أبى الدهرُ أن يلقى أخو الحبِّ صاحباً … من الإنسِ إلا دونهُ ألفُ شيطانِ

فيا ليتَ أن الأفقَ تهوي نجومهُ … على كلِّ واشٍ بالمحبيَن خوَّانِ

ويا ليتَ نيرانَ الجحيمِ تزيدهمْ … قلوباً تلظى حسرةً فوقَ نيرانِ

ويا ليتَ أن الأرضَ دكتْ جبالها … فكم فيهمْ من مثلِ رضوى وثهلانِ

وما كنتُ أدري قبلهمْ أنَ في الورى … من الناسِ أقوامٌ على شكلِ أوثانِ

فيا من لحاني في الصبابةِ ما ترى … ملامكَ هذا بالصبابةِ أغواني

وبي رشاً لم يبقِ مني دلالهُ … سوى ما تراهُ من همومٍ وأشجانِ

تعشقتهُ ظمآنَ للحبِّ فارتوى … فؤادي ولكنْ ردني جد ظمآنِ

وأضحكني دهري زماناً بقربهِ … ولكنهث من بعدِ ذلكَ أبكاني

ولن تجدِ النيا سوى ما وجدتها … ولا سائرَ الأزمانِ إلا كأزماني

ويا جيرتي والنفسُ جمَّ عناؤُها … ألا عاشق عان لذا العاشق العَاني

رأيتُ فؤادي مطبقاً جفنهُ الأسى … كما اكتحلتْ بالنومِ أجفانُ وسنانِ

وقد كانَ لي كأساً لدى مجلسِ الهوى … إذِ الحبُّ راحي والحبائبُ ريحاني

وفي الحبِّ سلوانٌ ولكنني أرى … تأسي ذي الحاجاتِ ليسَ بسلوانِ

وهذا الهوى تاجٌ على كلِّ عاشقٍ … فما شرفُ الأملاكِ من غيرِ تيجانِ