عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ – صريع الغواني

عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ … وَلِقَلبِكِ المُستَعتِبِ المُتَغاضِبِ

ما لي بِهَجرِكِ وَالبِلادُ عَريضَةٌ … أَصبَحتُ قَد ضاقَت عَلَيَّ مَذاهِبي

أَبكي وَقَد ذَهَبَ الفُؤادُ وَإِنَّما … أَبكي لِفَقدِكِ لا لِفَقدِ الذاهِبِ

جَلَبَ السُهادَ لِمُقلَتي بَعدَ الكَرى … وَنَفى السُرورَ مَقالُ واشٍ كاذِبِ

أَقصَيتِني مِن بَعدِ ما جَرَّعتِني … كَأساً لِحُبِّكِ ما تَسوغُ لِشارِبِ

لَو كانَ ما بي مِثلَ ما بِكِ لَم أَبِت … نَدمانَ أَحزانٍ صَديقَ كَواكِبِ

شابَ الهَوى في القَلبِ وَاِحتَنَكَ الجَوى … أَسَفاً وَما شَمَلَ المَشيبُ ذَوائِبي

ثُوبي عَلَيَّ لِكَي أُنَفِّسَ كُربَةً … فَإِذا بَدا لَكِ في الذُنوبِ فَعاتِبي

ما لي رَأَيتُ خَيالَ طَيفِكِ مُعَرِّضاً … إِذ زارَني مُتَغاضِباً في جانِبِ

وَاللَهِ لَولا أَنَّ قَلبَكِ عاتِبٌ … ما كانَ طَيفُكِ في المَنامِ بِعاتِبِ

إِن كان ذَنبي أَنَّ حُبَّكِ شاغِلي … عَمَّن سِواكِ فَلَستُ عَنهُ بِتائِبِ

لَو رامَ قَلبي عَن هَواكِ تَصَبُّراً … ما كانَ لي طولَ الحَياةِ بِصاحِبِ

سَلَبَ الهَوى عَقلي وَقَلبي عَنوَةً … لَم يُبقِ مِنّي غَيرَ جِسمٍ شاحِبِ

إِنّي لَأَستُرُ عَبرَتي بِأَنامِلي … جُهدي لِتَخفى وَالبُكاءُ مُغالِبي

الحُبُّ سَمٌّ طَعمُهُ مُتَلَوِّنٌ … بِفُنونِهِ أَفنى دَواءَ طَبائِبِ

يا سِحرُ قَد جَرَّعتِني غُصَصَ الهَوى … كَدَّرتِ بِالهِجرانِ صَفوَ مَشارِبي

أَشعَبتِ قَلبي بِالهَوى وَصَدَعتِهِ … بِالهَجرِ مِنكِ فَما لَهُ مِن شاعِبِ

صَبراً عَلَيكِ فَما أَرى لي حيلَةً … إِلّا التَمسُّكَ بِالرَجاءِ الخائِبِ

سَأَموتُ مِن كَمدٍ وَتَبقى حاجَتي … فيما لَدَيكِ وَما لَها مِن طالِبِ

ها قَد هَلَكتُ وَمِتُّ مِن أَلَمِ الهَوى … قُوموا فَعَزّوا مَعشَري وَأَقارِبي

طَيفٌ يُعاتِبُني وَقَلبٌ مُغضَبٌ … نَفسي فِداءُ مُغاضِبي وَمُعاتِبي

سَأَجيبُ داعي الحُبِّ مُنقاداً لَهُ … إِن كانَ مَن أَحبَبتُ غَيرَ مُجاوِبي

إِنَّ المُحِبَّ لَناعِمٌ مِن حُبِّهِ … وَمُرَزَّأٌ فيهِ عَظيمُ مَصائِبِ

لا تَسأَلَنَّ عَنِ الهَوى إِلّا اِمرِءاً … خَبِراً بِطِعمَتِهِ طَويلَ تَجارِبِ

وَمُخَدَّراتٍ ناعِماتٍ خُرَّدٍ … مِثلِ الدُمى حورِ العُيونِ كَواعِبِ

مُتَنَكِّراتٍ زُرنَني مِن بَعدِ ما … هَدَتِ العُيونُ وَنامَ كُلُّ مُراقِبِ

لَقَبَنَّني أَسماءَ مِنها سَيِّدي … وَأَخي وَسالِبُ مَن أُحِبُّ وَسالِبي

وَسَفَرنَ عَن غُرَرِ الوُجوهِ كَأَنَّها … بِاللَيلِ مِصباحٌ بِبيعَةِ راهِبِ

حورٌ أَوانِسُ يَقتَنِصنَ بَأَسهُمٍ … مِن طَرفِهِنَّ إِذا نَظَرنَ صَوائِبِ

زَرَعَ الشَبابُ لَهُنَّ رُمّانَ الصِبا … في أَنحُرٍ قَد زُيِّنَت بِتَرائِبِ

أَبدَينَ لي ما بَينَ طَرفٍ ساحِرٍ … وَدَلالِ مَغنوجٍ وَشَكلٍ خالِبِ

وَحَديثِ سَحّارِ الحَديثِ كَأَنَّهُ … دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن نِظامِ الثاقِبِ

فَقَطَفتُ رُمّانَ الصُدورِ لِلَذَّةٍ … وَلَمَستُ أَردافاً كَفِعلِ اللاعِبِ

وَتَزَعفَرَت شَفَتَي لِلَثمِ تَرائِبٍ … عَبَقَت بِها ريحُ العَبيرِ الغالِبِ

ما زِلتُ أُنصِفُهُنَّ مِنّي في الهَوى … حَتّى أَخَذنَ فَما تَرَكنَ أَطايِبي

أَحيَينَ لَيلَتَهُنَّ بي وَبِمَجلِسي … في قَصفِ قَيناتٍ وَعَزفِ ضَوارِبِ

حَتّى إِذا وَدَّعنَني أَهدَينَ لي … تَسليمَهُنَّ بِأَعيُنٍ وَحَواجِبِ

كَم مَنقَبٍ لي في الحِسانِ مُشَهَّرٍ … وَمَناقِبٍ مَحمودَةٍ وَمَناقِبِ

ما لَذَّةُ الدُنيا إِذا ما لَم تَكُن … فيها فَتى كَأسٍ صَريعَ حَبائِبِ