عفا العلم الراسي كما يقشع الظل – جبران خليل جبران
عفا العلم الراسي كما يقشع الظل … فما يوسف إلا حديث لمن يتلو
لئن كان حتف الأنف عاجل موته … لمصرعه في ميل موقفه قتل
قضى يوسف الجندي جندي قومه … بحيث قوام العزة الرأي لا النصل
بحيث القنا والمشرقية خضع … لما تزع الشورى وما يشرع العدل
فراح شهيد البذل من ذات نفسه … ومن خير ما يقني وذاك هو البذل
ينهنه عن إسرافه غير منته … كأن به جهلا وليس به جهل
إذا ما سبيل الله كانت سبيله … فما في سبيل الله حرص ولا بخل
وإن يك حب النفس والولد شرعة … فحب البلاد الفرض والآخر النفل
وليس امروء لم يمنح المجد نفسه … ببالغه أو يبلغ الجبل السهل
عذير الأولى يبكون يوسف إنه … مضنة واديه فما رزؤه سهل
طوته المنايا وهو أوحد أمة … فلا تنكروا أن شاع في الأمة الثكل
لقد جمع الشمل الشتيت ببينه … أليس بغير البين يلتئم الشمل
عتاب أجازته خطوب مغيرة … علينا وعن إنذارهن بنا شغل
باي محام عظم الله أجرهم … أصيبوا وأعزز أن يكون له مثل
مكان المحامي غاية في سموه … إذا اجتمعت فيه النزاهة والنبل
ولم يك سواما ولم يك متجرا … متى أعضل الموضوع أو أشكل الشكل
يهيء فصل القول في كل موقف … بحجته المثلى لمن قوله الفصل
ويدفع تضليل الذين افتراؤهم … على الله حق والحرام لهم حل
فذاك ملاذ يرتجى ومنارة … لأمن الأولى ريعوا وهدي الأولى ضلوا
تعاطى المحاماة الشريفة يوسف … فأحمد فيها قوله الحر والفعل
وكان الذي يبلوه في كل حالة … شكورا لما يلقى فخورا بمن يبلو
وفي الوفد إن توصف مواقف يوسف … أكان له في الذود عن حوضه كفل
فداه بأغلى ما يسام أخو الفدى … ولم يثنه ضيم ولم يغره جعل
عقيدة نفس أوردته مهالكا … ولم تأب أن يرعى الخصوم وإن زلو
وفي مجلس النواب هل سار سيره … أخو مرة جلد عن الجهد لا يألوا
بيوسف والمشهور من وثباته … إلى كل إصلاح تمهدت السبل
هناك مجال العبقرية واسع … لمستبق يشأو ومنطلق يعلو
هناك رمى جيش الأباطيل ناثل … كنانة صدق لا يطيش لها نبل
فآب بفتح بعد فتح ولم يثر … حقودا ولم يعد الصواب ولم يغل
ومن جد في التصريف للأمر جده … وتدبات في تصريفه العقد والحل
فقام بأعباء تنوء بها القوى … وليس له إلا رقي الحمى سؤل
ومن في الشيوخ المنتدين كيوسف … به حلم شيخ وهو في سنه كهل
يعيد ويبدي رابط الجأش منصفا … وليس بهدار كما يهدر الفحل
وما يملك الأسماع إذ ينطق الهوى … كما يملك الأسماع إذ ينطق العقل
قصاراك منه أنه في كفاحه … جريء صريح لا اقتحام ولا ختل
وليس يداجي في عبادة ربه … يصيد بها سحتا ومعبوده العجل
فمات ومن من ثروة غير عيلة … ثوى رب نعماها وحاق بها الأزل
ترى ما اعتذار الكاذبين الأولى سعوا … سعاياتهم فيه وقد زهق البطل
حكومة خصم أنصفته فوفقت … إلى الخير لا يعروه ريب ولا دخل
ومن مثله في أهله ورفاقه … له شيم كالروض باكره الطل
فحل محلا منهم لم يفز به … أب أو أخ حلو الشمائل أوخل
ومن مثله وافي الرجولة كلما … دعا الحق لا يأبى عليه ويعتل
كرهت وحاشاه وجدتهم … رثات الأواخي لا ذمام ولا إل
لقد كثروا والأكرمون خلاقهم … قليل من الدنيا فلا بدع إن قلوا
فهلا هداهم ذلك النور فاهتدوا … ألا إن محلا في النفوس هو المحل
أيوسف إني قبل منعاك لم أثر … ولم يتيقظ للملمات بي قبل
وكنت امرءا لا يعرف الغل قلبه … فأضحى به حزن يخامره الغل
برغم وفائي إنه اليوم خاذلي … وماذا يرد البث والمدمع الجزل
كفى سلوة أن شيعت مصر كلها … فتاها بما لم يشهد الناس من قبل
مثالك ملء الدهر واسمك خالد … وفضلك باقي الذكر ما ذكر الفضل
إذا نحن عزينا الرئيس ولم نزد … فقد عزيت فيك الكنانة والأهل