عرض تقضى لم يمس الجوهرا – جبران خليل جبران

عرض تقضى لم يمس الجوهرا … فالحمد للمولى على ما قدرا

صانت فؤادك من لدنه عناية … جعلت شفاءك للعناية مظهرا

وأرتك من حب السرائر آية … في غير هاتكة السرائر لا ترى

يا نيرا جرؤ السقام فناله … عجبا أيقتحم السقام النيرا

خلنا مكانتك السنية مأمنا … من بلغ الأدواء هتيك الذرى

هزت لحادثك الربى وتحركت … لجج الأثير وروعت مهج الورى

وكأنما في كل صدر غصة … مما عرا الصدر الأبر الأطهرا

ريب تغشى كالغمام فما انجلى … حتى انثنى صوت النذير مبشرا

هدأت نفوس الجازعين وبدلت … فرحا بما شاب الصفاء وكدرا

فاغنم حياتك بالشباب مجددا … والعيش أرغد ما عهدت وأنضرا

واستأنف الأيام بعد متابها … في نعمة أوفى ومجدا أوفرا

وأعد إلى هذا الحمى أعياده … تزهو وتزهر في المدائن والقرى

لا غرو أن يهوى الأمير المفتدى … شعب رأى فيه الكمال مصورا

ورأى حميد بلائه في نصره … حتى نجا من رقه وتحررا

ورآه للشورى ظهيرا صادقا … مذ ساس في الملك الأمور ودبرا

مستعصم بالله يقفو دائما … سيرا بها العظماء زانوا الأعصرا

مهما يجشمه هواه لقومه … من طائل لا يلفه متعذرا

إيمانه يحميه في بأسائه … والصبر عدته إلى أن يظفرا

آدابه لم يؤتها إلا امرؤ … صفى شمائله التلاد وكررا

فيرى الذي يسمو إليه طرفه … روضا من الشيم الحسان منورا

يا من له من نبعتيه عزة … ليست تسامى مظهرا أو مخبرا

في كل شأنك والوصاية بعضه … كنت النزيه الحازم المتبصرا

وجلوت للدنيا خلال إمارة … جعلتك في كل القلوب مؤمرا

للعلم والآداب منك رعاية … أكدتها بمآثر لا تمترى

أشرعن فكرك للقرائح موردا … وجعلن شكرك للمدائح مصدرا

وإلى الفنون صرفت فطنة جهبذ … يتخير الأحرى بان يتخيرا

بين الطريفة والعتيقة تنتقى … ما هيأته يد الصناع ليذخرا

طوفت في شرق البلاد وغربها … مستطلعا مستقصيا مستخبرا

تفري الفرا ولا مرد لهمة … جبت البرور بها وجزت الأبحرا

وبوصفك الأسفار في أسفارها … أحضرتها من فاته أن يحضرا

كم من مغالق للعقول فتحتها … لله درك باحثا ومفكرا

أنى على طيب الزمان وخبثه … ممن يعمر وده ما عمرا

وسجيتي رعي الذمام لمجمل … أأقل من إجماله أو أكثرا

هيهات أن أنسى يدا لك طوقت … عنقي وشمية من وفى أن يذكرا

قلدتها وبنو أبي وعشيرتي … قدما فقلدنا الفخار الأكبرا

ولقد شكرت بما استطعت وحاجتي … ما دمت حيا أن أعود فأشكرا

عود السلامة كان أيمن نهزة … لأبث مولاي الولاء المضمرا